المشهد السياسي قبل ثورة 1919
المشهد السياسي قبل ثورة 1919
دخل الإنجليز مصر على إثر دعوة الخديوي توفيق لهم لقمع الثورة العرابية، وعلى إثر ذلك عرفت مصر ازدواجية في السلطة الحاكمة في ذلك الحين، إذ انقسمت السلطة إلى سلطة شرعية متمثِّلة في الخديوي وجهاز الدولة من ورائه بوزارته وحكوماته وموظفيه، وسلطة فعلية متمثِّلة في المشيئة الأجنبية التي تفرضها القوة العسكرية لجيش الاحتلال، وهذه الازدواجية في السلطة تولَّدت عنها ازدواجية في المقاومة الشعبية لها، فظهر في السنوات العشر الأولى من القرن العشرين ما عُرِف باسم “حزب الأمة” و”الحزب الوطني”، وكان توجُّه الأول توجُّهًا ضد السلطة الشرعية بالأساس؛ سلطة الخديوي باعتبارها سلطة فردية تستبد بالحكم منفردة، وكان هذا التيار يتكوَّن من كبار ملاك الأراضي الزراعية الذين ظهروا من قبل في تشكيلات المجالس النيابية الاستشارية في عهد الخديوي إسماعيل ثم في عهد الاحتلال البريطاني، وكانت غاية هذا التيار المشاركة في الحكم بقوة ثالثة مع قوة الملك والإنجليز، أما التيار الثاني فكان توجُّهه ضد السلطة الفعلية بالأساس، أي ضد الاحتلال الإنجليزي، وكانت غايته الاستقلال المصري التام في إطار الجامعة الإسلامية والحاضنة العامة في ظل الخلافة العثمانية.
وبعد قيام الحرب العالمية الأولى وانضمام الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا، أعلنت بريطانيا وضع مصر تحت الحماية البريطانية وعزلت الخديوي عباس حلمي، الخديوي المعيَّن من العثمانيين وعيَّنت بدلًا منه عمه حسين كامل، وبهذه الإجراءات منذ 1914 اتحدت السلطتان الشرعية والفعلية في يد الإنجليز ولم تعد مصر محتلة عسكريًّا منهم فقط، بل وتابعة رسميًّا ودوليًّا لهم، وهكذا اتحد الحكم الاستبدادي مع الاحتلال العسكري الأجنبي، وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى أن يتحد نقيضا الاستبداد والاحتلال في حركة ديمقراطية وطنية واحدة، ومن هنا بزغ أول شعاع من شمس ثورة 1919 في مصر.
الفكرة من كتاب ثورة 1919 في تاريخ مصر المعاصر
ينظر “البشري” في هذا الكتاب إلى تاريخ مصر المعاصر نظرة الطائر المحلِّق في السماء، ومن ثم فهو ينقل أحداث التاريخ من تشكُّلها الرأسي المتتابع من ماضٍ وحاضر ومستقبل، إلى المنظور الأفقي بحسبانها كلها حدثت وتمَّت وصارت من الماضي، وهذا المنهج يتيح له أن يستقرئ أحداث التاريخ في تشكُّلاتها التي جرت؛ ليستطيع بالمقارنة بين بعضها وبعض أن يستخلص الدروس والعبر وعوامل التشابه والاختلاف والإنجاز والفشل، ومن ثمَّ فهو يقرأ ثورة 1919 في إطارٍ واسع يستوعب ماضيها وحاضرها وآثارها فيما بعد، بالإضافة إلى الإحاطة بالواقع الذي قامت فيه وكيف كان شكله وكيف كانت ملابساته.
مؤلف كتاب ثورة 1919 في تاريخ مصر المعاصر
طارق البشري: قاضٍ مصري سابق ومفكر إسلامي ومؤرخ، شغل منصب النائب الأول السابق لرئيس مجلس الدولة المصري ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لعدَّة سنوات.
من أهم مؤلَّفاته: “محمد علي ونظام حكمه”، و”سعد زغلول يفاوض الاستعمار”، و”العرب في مواجهة العدوان”، و”الحركة السياسية في مصر 1945- 1953″، و”المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية”، و”دراسات في الديمقراطية المصرية”، و”شخصيات تاريخية”، و”من أوراق ثورة 25 يناير”.