المشكلات الهيكليَّة في الإعلام
المشكلات الهيكليَّة في الإعلام
إن موجة الابتكارات التكنولوجية القائمة تعد مشكلة لمجال عمل وسائل الإعلام، حيث سيتعيَّن إعادة هيكلة نظم العمل على مُسْتَوَى جديد وشامل، ويتسبَّب ذلك في كم هائل من المخاطرٍ الاقتصادية كتلاشي عوائد الإعلانات أسرع بكثيرٍ مما مضى، وتغيير المستهلكين لعاداتهم وأذواقهم وإعادة توجيه قوتهم الشرائية، واضطرار المنتج -وهو رأس المال البشري- إلى التغير كليةً، ولا يتعلق الأمر بمجرد الاستثمار في التكنولوجيا أو أنظمة جديدة، بل ثورة ستقودها إحدى أهم قوى الكوكب الثقافية والاقتصادية، ورغم التطور التكنولوجي الحاصل لا يزال الناس في مدنٍ كبرى كلندن ونيويورك يقرؤون الصحف، لا يزالون يلتفون حول التلفاز لمشاهدة النشرات الإخبارية المسائية، ما يعدُّ صمودًا جيدًا للإعلام التقليدي، وما يحافظ على استمراريته في الغرب هو تمسُّك السوق به، فالأخبار التقليدية تعكس خبرة ومهارة، والعاملون بالصحافة على مدار عقود أتقنوها للغاية.
يقول مارتن فيوديل (نائب رئيس تحرير نشرة أخبار القناة الرابعة): مشكلتي مع الإنترنت بِوَصْفِهِ شجرة المعرفة، ومع المدوِّن بوصفه صَحَفِيًّا تكمن في مدى كفاءتهما في اكتشاف الأمور، إذ إن أكبر خطر أمام الإعلام التقليدي ليس التطور التكنولوجي، وإنما يتمثل الخطر في قدرتنا على تقديم منتج إخباري عالي الجودة،ويعدُّ تضاؤل الجمهور هو إحدى المشكلات الأساسية التي يواجهها الإعلام الإخباري التقليدي، واختفاؤه هو الخطر الأكبر، فلا يتوقف الأمر عند النزوح إلى المنصات الإعلامية الإلكترونية فقط، بل هناك نوع يختفي كُلِّيًّا، بتوقفه عن متابعة الأخبار التقليدية.
تكنولوجيا المعلومات الجديدة ليست وحدها من أعادت تشكيل العالم، بل يوجد أيضًا التغيرات الاجتماعية، ففي العقود الثلاثة الأخيرة شهد العالم إعادة رسم لتحالفات سياسية عالمية، وصحبه تحول في نمط سعي الناس كأفراد ومجتمعات، وهذه التحولات هي نطاق العمل الصحفي اليومي،وقد باتت عملية الصحافة في وقتنا الراهن أكثر فردانية مما كانت عليه مع الإعلام التقليدي؛ لذا عدم تعلم الصحفيين عادات الإعلام الجديد التي تمكنه من التواصل مع الأفراد حينما يكونون متصلين بالإنترنت هو خطر حقيقي.
الفكرة من كتاب الإعلام الخارق
يرى جميعنا أن الوضع الحالي لوسائل الإعلام الإخبارية، أفضل مما كان عليه في الماضي، لكننا نعيش لحظات خطرة، فما من ضامن أن الحالة النافعة نسبيًّا ستستمر، بل على العكس؛ يوجد كم هائل من التهديدات التي تواجه جودة وسائل الإعلام الإخبارية وإمكاناتها، لذا علينا المحافظة على القيم الداعمة للصحافة الحرة كجزء ناجح من المجتمع، ففي خضم التهافت على التطور الرقمي، لا ينبغي السماح للخوف بتشكيل المستقبل.
ولا يسعنا إنكار تأثير الإعلام المتزايد في الأحداث العالمية، فمن المستحيل فصله عن الظروف العامة، ومهم للغاية إعادة تقييم فكرة محو الأمية الإعلامية؛ فما من أمل في الصحافة الشبكية إن كان من يمارسونها غير مؤهلين لها، فهم بحاجة إلى امتلاك فكرة عن حقوقهم وواجباتهم؛ كي يصيروا أكثر اندماجًا في المجتمع من خلال عملية الصحافة.
مؤلف كتاب الإعلام الخارق
تشارلي بيكيت: مؤسس ومدير مؤسسة Police البحثية بكليتي لندن للاقتصاد ولندن للاتصالات، وهي تتمثل في مُنْتَدَى للمناقشات والأبحاث حول الصحافة والمجتمع، ويمارس حَالِيًّا الكتابة وتقديم البرامج حول الصحافة العالمية، وسبق له العمل في عدة برامج إخبارية تابعة لمحطة BBC.
معلومات عن المترجمة:
فايقة جرجس حنا: درست الترجمة التحريرية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وذلك بعدما تخرجت عام 2002 في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، وفي عام 2016 فازت بجائزة المركز القومي للترجمة للشباب في دورته الرابعة، عن كتاب “نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية”.