المشاعر والعولمة
المشاعر والعولمة
إن التقوقع داخل الحياة العاطفية جاء نتيجة طبيعية لعجز الإنسان عن التحكم في عالم مرتبط بالتقنيات الحديثة والعولمة، وكأنه اختار الانفعال العاطفي الداخلي بديلًا عن التأثير الخارجي الذي لا يستطيعه، ويشبه حال الجيل الحالي؛ الحالة التي وصفها (ألفريد دي موسيه) في كتابه (شهادة طفل من القرن)، بعد سقوط (نابليون) في عام (ألف وثمانمائة وخمسة عشر) 1815، هرب الفرنسيون في ذلك الحين من حالة الجمود المفروضة عليهم إلى حياة الروح، المختلفة عن الروح الحالية، ثم تكرر السيناريو ذاته تاريخيًّا، لنَخلُص إلى نتيجة واحدة، وهي أن عصرنا أيضًا رومانسي للأسباب نفسها، فسبل الهروب إلى الإحساس والإفلات من عالم متصلِّب عن طريق الاهتزازات الداخلية، جعلته عصرًا يغرس رومانسية المشاعر.
ويعد (الأموسنتيانس) هو النموذج المثالي لعصرنا، فكل فترة من التاريخ لها نوع إنساني مثالي، وفي العصر الحالي يمثل الإنسان ذو النزعة الفردية المتطرِّفة نوع الإنسان المثالي، وهو الإنسان الحساس (الأموسنتيانس)، أما عن صفات الإنسان الشعوري، فهو الذي لا يخاف مواجهة مشاعره، كما أنه يلتزم بالذاتية، ويسير بحرصه عليها في طريق فلسفة لا عقلانية تتماشى كليًّا مع روح عصرنا، كما أن عبادتي المشاعر والجسد هما وجهان لثورة واحدة في العقليات، بالنسبة إلى (الأموسنتيانس) فإن تجربة الأشياء لا يمكن أن تكون ممتعة إلا إذا روتها المشاعر، أما عن الوعي الذاتي في عصر المشاعر، فإن الإنسان الشعوري لا ينفيه، ولكنه يتصوره بطريقة مختلفة عن تلك الطريقة التي تناولها (ديكارت) في أُطروحته الفلسفية (تأملات ميتافيزيقية)، فـ(ديكارت) تناول الوعي الذاتي من وجهة نظر إدراكية، فراح يكتشف (الروح المفكرة)، ومحتوى الوعي بالذات هو ما تعبر عنه كلمة (كوجيطو)، والكوجيطو الديكارتي كان عقلانيًّا، أما ممارسة الوعي بالذات من منظور عبادة المشاعر فله معنى آخر مرتبط تمامًا بالإحساس، فإنَّ الإنسان لم يعد يسعى إلى تحليل تفكيره، وإنما إلى معرفة آثار انفعالاته ومشاعره.
الفكرة من كتاب عبادة المشاعر
إلى أي مدى تتحكَّم المشاعر في حياة الإنسان المعاصر؟ وإلى أي حدٍّ صارت المشاعر مقدَّسة وتتَّخذ شكلًا من أشكال العبادة؟!
سنتحدَّث في كتابنا هذا عن عصر المشاعر، تحديدًا عن ظاهرة “عبادة المشاعر”، ونحللها تحليلًا نفسيًّا فلسفيًّا، ونعرض قضية تفضيل الإنسان المعاصر مشاعرَ الصدمة، أو المشاعر المتهيِّجة، في مقابل مشاعر التأمل والخشوع، وتفضيل الإنسان المعاصر لحالة الصخب على حالة الهدوء التي فضَّلها الإنسان فيما سبق!
مؤلف كتاب عبادة المشاعر
ميشيل لكروا : فيلسوف وكاتب فرنسي مُعاصر، وُلِدَ في 14 ديسمبر عام 1946م، حاصل على دكتوراه دولة، وهو محاضر فخري في جامعة سيرجي بونتواز، ونال جائزة الفلسفة من الأكاديمية النفسية، وجائزة علم النفس عام 2009م عن بحثه “من أجل حياة أفضل”.
له العديد من المؤلَّفات، منها: “في آداب السلوك” الصادر في عام 1990م، والذي نال عنه جائزة الفلسفة من الأكاديمية الفرنسية، و”من أجل أخلاق كونيَّة” عام 1994م و”إيديولوجيا العصر الحديث”، و”أخلاق الأمان”.