المسلم المتوازن
المسلم المتوازن
من يريد أن يحيا متوازنًا فمثله كمثل الذي يسير فوق حبل مشدود، والمسلم يصبو إلى التوازن الذي هو رمز للكمال، فتكاليف الإسلام شاملة وكثيرة، والمسلم المتوازن يحاول أن يؤديها كلها، فالالتزام بالواجبات الشرعية يضمن لنا عدم الانجراف وراء الانحدار أو التفريط، ويضمن كذلك حشد طاقة لمواصلة المسير، ويجعلنا كذلك متسقين مع أهدافنا وذواتنا، واتباع السنة إنما هو الانتباه الدائم لحقوق الله في شتى مناحي الحياة.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- “هلك المتنطعون” أي المتشددون في موضع لا تلزمه الشدة، ومن أوجه التشدد، تقديم الإنجازات الدنيوية على الأخروية، أو العكس، فربما يلجأ البعض إلى تعظيم حق الدنيا والمسؤوليات اليومية والنجاحات المادية، بينما تجد البعض الآخر يزهد في كل ما سبق لأن عيشه عيش الآخرة، والتوازن هنا لا يأتي من محاولة توزيع المهام بين الدنيا والآخرة، وإنما يتحقق بربط المساعي الدنيوية بالآخرة.
وكلمة السر في ذلك هي النية الصالحة الخالصة لله تعالى، فالأفعال اليومية بإمكانها أن تكون سببًا في التقرب إلى الله، إذا صادفت نية خالصة وقرت في القلب، ويجب أن تتوازى إمكانياتنا مع طموحاتنا، فلا نحن نرضى بالقليل فتخور قوانا، ولا نتطلع إلى الكثير لدرجة الزهد في المتاح بين أيدينا والممكن عمله، فهناك قاعدة معروفة في مجال الأعمال تنصح بالتفكير عالميًّا والتصرف محليًّا.
ويمكن تطبيق هذه القاعدة في المجال الدعوي أو أي مجال آخر، والأمانة التي كلفنا الله بها تستدعي أن يسد كل منا الثغر الذي يقف عليه، والحقيقة أن واقع دول المسلمين يعاني من آفات عديدة، منها: إشكاليات التغريب، والتشتت، وسطحية فكرة الحرية، والحاجة إلى التعامل السلمي مع الاختلاف، ويجب أن يركز كل منا على دائرته الصغيرة أولًا، فبالقليل من الوعي والتركيز تترسخ القيم المجتمعية التي نصبو إليها.
الفكرة من كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
يُعد هذا الكتاب وصايا للمنشغلين بالإصلاح المجتمعي، فلا شك أن مجتمعنا الإسلامي اليوم يفتقر إلى مشاريع إصلاحية حقيقية على أرض الواقع بعيدًا عن الأمور الخارقة، فحركة التاريخ ما هي إلا آلاف من الجهود الضئيلة التي لا تكاد تُرى وحدها، وعليه يهدف هذا الكتاب إلى الخروج بالإنسان من حالة مراقبة الواقع والتنظير عليه إلى حالة التنفيذ والتغيير فيه. والتفكير حيلة الإنسان وهو سلاح ذو حدين؛ قد نفك به القيود ونخرق الشروط، أو قد يعجزنا ويُمكّن الغير من الاستبداد بنا، وذلك بحسب تعاملنا مع الأفكار، إن كان تعاملًا أحاديًّا فردوسيًّا أو واقعيًّا مرنًا، فالأزمات التي نحياها ليست نتيجة أفعال الآخرين أو الأقدار المكتوبة لنا فحسب، وإنما تدخل في ذلك أفكارنا وعقلياتنا ومرجعياتنا، ويهدف الكاتب إلى تحويل الأفكار الإصلاحية من كلام منمق إلى مشاريع تنموية مثمرة على أرض الواقع.
فإن كنا مهتمين بالتربية المبكرة وأثرها في الطفل، فلا بد من إنشاء روضة أطفال نموذجية، وقد ذكر الكاتب راشد الغنوشي أن جوهر المشروع الإسلامي ليس إسلاميًّا ليستهدف الدولة، وإنما اجتماعي إصلاحي للناس كافة، وهذا معيار نجاحه أو فشله، ورغم هذا الوضع غير المبشر، ورغم ضعف الدولة وهشاشة تنفيذ الشريعة فيها، فإن الإسلام اليوم في ازدهار، بينما العلمنة تتجه بخطى سريعة نحو الذبول والاندثار، فالأمة الإسلامية وإن كانت منهارة سياسيًّا، فإنها قوية حضاريًّا وأخلاقيًّا.
مؤلف كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
أ.د. عبدالكريم بكار: أحد أبرز الكتاب في مجال التربية الإسلامية والفكر الإسلامي، حاصل على الدكتوراه من قسم أصول اللغة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، مهتم بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة الفكرية والعمل الدعوي الإصلاحي، وقد تُرجمت كثير من أعماله إلى العديد من اللغات، كما أن له مكتبة صوتية ضخمة تزخر بالعديد من المقاطع الصوتية التي سجلها.
للمؤلف نحو أربعين كتابًا، منها “فصول في التفكير الموضوعي”، و”مدخل إلى التنمية المتكاملة” و”العيش في الزمان الصعب” وغيرها من المؤلفات.