المسحراتي
المسحراتي
في ليالي رمضان الماضية يغالب الأطفالُ النعاس مخافة أن يفوتهم النداء المميز، الذي يذكر أسماءهم واحدًا تلو آخر مع دقات طبلته المميزة، منبهًا إياهم لموعد السحور، أما الآن فلم تعد مهنة المسحراتي بذات الأهمية والوجود سواء في مصر أم أي بلد آخر عرف تلك المهنة العتيقة، فالمنازل تطاولت طوابقها ولم تعد مهيَّأة لسماع دقات المسحراتي في جوف الليل، واعتمد الناس على منبهات ساعاتهم وهواتفهم، وبعد أن كانت العلاقة بين المسحراتي والناس علاقة تبادل منفعة يشعر كل طرف فيها بقيمته، أصبح المسحراتي موضع استهزاء من بعض الناس، غافلين عن حقيقة أنها كانت مهنة قائمة ذات قيمة ومعنًى، يشعر الناس معها بتميُّز ليالي شهر رمضان.
وقد بدأت مهنة المسحراتي في سنوات صدر الإسلام، وإن كانت في العهد النبوي ذات طابع خاص، فكان أول مسحراتي عرفه الناس هو «بلال بن رباح» وبصحبته «ابن أم مكتوم» رضي الله عنهما، إذ كانا يجولان بالمدينة قبل الفجر بوقت ملائم لإيقاظ الناس عن طريق الأذان، وكان معروفًا للجميع أن سماع «ابن أم مكتوم» رضي الله عنه يرفع الأذان يعني أن وقت السحور قد حان، فيبدؤون بتناول الطعام، ثم إذا سمعوا صوت «بلال بن رباح» رضي الله عنه أمسكوا عن الطعام، وفي زمن العباسيين كان للخليفة «الناصر لدين الله» مسحراتي خاص به يدعى «أبا نقطة»، يوقظه بالليل ويتقاضى الأجر على ذلك فرغب الأعيان أن يوقظهم مسحراتي الخليفة أيضًا، فوافق الخليفة على طلبهم وكان «أبو نقطة» هو ناظم شعر «القوما» الذي كان يردده وقت إيقاظ الناس للسحور، وجاءت تسمية القوما من مقولة المسحراتي: “قوما للسحور”، وخلف «أبا نقطة» في مهنته ابنه الذي جعله الخليفة مسحراتيًّا لجميع الناس.
وفي العهد الفاطمي كلّف الخليفة «الحاكم بأمر الله» رجالًا يسيرون في البلاد ليلًا في رمضان ليوقظوا الناس للسحور، وظهرت بعد ذلك مهنة المسحراتي الذي يدق على طبلة يحملها موقظًا الناس للسحور، والشخص الذي كلفه الخليفة بهذه المهمة وأسماه المسحراتي هو: «عتبة بن إسحاق» الذي كان يقطع المسافة من مدينة العسكر بالفسطاط وحتى جامع عمرو بن العاص، مرددًا: “عبادَ اللهِ تسحروا فإن في السحور بركة”.
الفكرة من كتاب حاجات قديمة للبيع
مهما كُتب عن التراث المصري ومخزونه الثقافي والشعبي فلن يُعبِّر المنتمون إلى ثقافات مختلفة عنه مثلما تفعل الكتابة المحلية، ومن هنا تأتي أهمية القراءة عن مجتمع ما وفهمه من منظور شخصي، فهي القراءة الأجدر بالوصول إلى من يبحث عن خيوط الحكايات التي نسجت التراث الشعبي، وهذا الكتاب بمنزلة رحلة بين مهن للمصريين أصبحت الآن مجرد لمحات من الماضي، خَفَتَت أهميتها مع ذهاب زمانها ومعاصريها، واستحداث مهن وأعمال ومتع جديدة تلائم تغير الزمان، سنطلع على بعض هذه المهن وطبيعة نشأتها وأهميتها وكيف اختفت أو أضحت على وشك الاختفاء.
مؤلف كتاب حاجات قديمة للبيع
منى عبد الوهاب: ولدت في عام ١٩٩٨م، وتخرجت في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، تعمل حاليًّا مسؤولة العلاقات العامة والإعلام بمؤسسة مزيج الثقافية، وهي مقدمة البرنامج الثقافي «سين وميم»، وتدور اهتماماتها في فلك موضوعات الأدب وتاريخ الشارع المصري وقضايا المرأة في المجتمع.