المستشفيات في الحضارة الإسلامية
المستشفيات في الحضارة الإسلامية
أُسس أوَّل مستشفى إسلامي في عهد الوليد بن مروان وكان متخصصًا في الجذام، ثم انتشرت المستشفيات في كل ربوع العالم الإسلامي ثم صارت جامعات علمية فريدة، بينما أول مستشفى في باريس أُنشئ بعد ذلك العهد بتسعة قرون! وكانت المستشفيات تُسمى بـ”البيمارستانات”، ومنها مستشفيات متنقلة على الجمال تجوب القرى والنجوع البعيدة، ومن أشهر المستشفيات مستشفى العُضدي في بغداد، والنوري بدمشق، والمستشفى المنصوري الكبير بالقاهرة، وفي قرطبة وحدها أكثر من خمسين مستشفى.
ويحوي كل مستشفى أقسامًا للأمراض الباطنة والجراحة والأمراض الجلدية وأمراض العيون وأمراض العظام والكسور وأمراض النساء وغيرها، وتوجد كذلك مستشفيات متخصصة بأمراض معينة، وكان الأستاذ “الطبيب الخبير” يمر كل صباح لتفقد الحالات برفقة صغار الأطباء الذين يراقبونه ليتعلموا منه ويسجلوا ملاحظاتهم، وفي كل مستشفى مكتبة ضخمة تحوي أمات المراجع الطبية والكتب المتعلقة بممارسة المهنة كالأحكام الفقهية الخاصة بالطبيب، وبلغ عدد الكتب في أحد مستشفيات قرطبة مئة ألف! وفي محيطها مزرعة للأعشاب الطبية والنباتات الدوائية.
ذكر ابن جبير أنه كانت توجد أحياء طبية متكاملة وقفًا على المرضى فيعالجون فيها بالمجان، بل ويعطى المريض حال خروجه مبلغًا من المال حتى لا يضطر للعمل خلال فترة النقاهة! والأعجب أن يخصص أناس يمرون على المرضى في الليل يحدثونهم خفية بالبُرء كأنما يوسوسون لهم؛ لتحسين حالتهم النفسية! فكان البعد الإنساني والتكافل الاجتماعي حاضرًا بقوة، حتى للمسجونين في المحابس تخصص لهم مستشفيات، كما راعى الأطباء الآداب الإسلامية من ستر العورات وحفظ الأسرار ومنع خلوة الرجل بالمرأة.
لقد اهتم الشرع بأسباب الوقاية من المرض فأمر بالتطهُّر والنظافة والتنزه عن الأقذار، وحرم الخمر والخبائث وأكل الميتة، ومنع من الاختلاط على أصحاب الأوبئة أو الانتقال إلى الأرض الموبوءة، واتبع الأطباء المسلمون إجراءات الوقاية والسلامة من المرض داخل المستشفى، فكان المريض يمكث فيه بملابس خاصة به ويخرج منه بملابس أخرى، ولكل مريض سريره الخاص، ومنعوا اختلاط المرضى أو الدخول عليهم دونما حاجة، كما كان المسلمون أول من عرفوا الحجر الصحي في شكله الحديث.
الفكرة من كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
بلغت الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية مبلغًا أذهل الأعداء قبل الخِلان، وضربت بسهم وافر في شتى المجالات الإنسانية في زمن قياسي، لم تحظَ به أي حضارة أخرى ولا حتى الحضارة الغربية المعاصرة التي طغت منجزاتها المادية على رصيدها الروحي والأخلاقي، وكان التقدم الهائل في العلوم الطبية أحد مظاهر ازدهارها البارزة، والذي كان انطلاقًا دينيًّا في الأساس وتطبيقًا جمعيًّا لما حث عليه الشرع من التداوي وانتقاء الأكفاء لذلك، رغم ما يتبادر إلى الذهن من تعلق الطب بالجسد وحفظ الحياة الدنيا، فقد كان مظهرًا لتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ العقل والجسد والنسل والدِّين كذلك.
مؤلف كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
راغب السرجاني: طبيب بشري وأستاذ جامعي وكاتب، وداعية إسلامي مهتم بالتاريخ والحضارة، ومؤسس موقع قصة الإسلام، وُلد في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية عام 1964، وتخرج في كلية طب قصر العيني، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه في جراحة المسالك البولية.
أنجز كاتبنا الكثير من المشاريع التاريخية والدعوية، وحاز جوائز كثيرة منها: جائزتا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وأفضل كتاب مترجم إلى اللغة الإندونيسية.
من أبرز مؤلفاته:
ماذا قدم المسلمون للعالم.
فن التعامل النبوي مع غير المسلمين.
قصة الأندلس من البداية إلى السقوط.