المسؤولية المجتمعية
المسؤولية المجتمعية
يجادل عالما الاقتصاد “بيكر” و”ستيجلر” في أن التفضيلات والاختيارات الشخصية تنشأ لدى الناس بصورة طبيعية، غير متأثرة بالبيئة أو التعليم وأنها ثابتة لا تتغير بعكس الاعتقادات الفكرية، وهو ما يغاير السلوكيات البشرية في الواقع، فنجد أن الأشخاص يتأثرون بشدة بالثوابت الاجتماعية، وقد يصنع الأفراد قراراتهم بناءًا على قرار آخرين، كأن ينتهج أحد الأشخاص سلوكًا فيظن من حوله أن لديه معلومات يجهلونها فيتبعونه، في ما يعرف بـ”سلسلة المعلومات” Information Cascade، وكذلك يمكن أن يكون الدافع لدى البعض هو الولاء للمجموعة، ومن هذا يمكننا أن نستنتج أن سلوك الفرد يعتمد على السياق وعوامل اجتماعية أخرى كالانتماء والتوقعات الاجتماعية، وكل هذا تنتج عنه ظواهر سلبية كالكراهية والتمييز وعدم تقبل الاختلاف، ويتسبب الانعزال الثقافي وانعدام النقاش والتواصل بين المجموعات المختلفة في تثبيت هذه الأفكار، ومثال على هذا “قاعات الصدى” echo chambers التي أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تكوينها، ويمكن أن نواجه هذه المشكلات عن طريق الانفتاح الاجتماعي ونشر ثقافة الاحترام والتقدير بين أفراد المجتمع، وإشراكهم في النقاش المجتمعي دون التسفيه أو توجيه الإهانات، لأن البشر يربطون أفكارهم عن الآخرين مباشرة بتقديرهم للذات.
ومن القضايا التي يرغب الكتاب في لفت النظر إليها أيضًا قضية التغير المناخي، موضحًا أن الثمن الذي سندفعه سيعتمد عما إذا زادت درجة حرارة الكوكب بمقدار 1.5 أو 2 درجة سيليزية، ومن وجهة نظر اقتصادية يشرح قاعدة ال 10-50 كالتالي: 10% من سكان الكوكب يساهمون بنحو 50% من انبعاثات الكربون، بينما 50% من السكان مسؤولون عن 10% فقط من الانبعاثات، ولكن التأثير الكارثي لأزمة المناخ لا يتبع تلك القاعدة، إذ إن الدول الفقيرة الأقل إصدارًا لغازات الاحتباس الحراري ستدفع الثمن الأكبر لهذه الأزمة، بسبب قرب أغلبها من خط الاستواء، وهو ما يعني أن فقراء هذه الدول سيعانون من ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، ودون القدرة على توفير مكيفات هوائية سيؤدي ذلك إلى تدهور في مستويات الصحة إلى جانب الكوارث الطبيعية المحتملة، ولكن المكيفات الهوائية القديمة تساهم في تفاقم مشكلة المناخ كذلك، فغازات الهيدروفلوروكربون HFC التي تستخدم لتشغيلها ذات تأثير سلبي في البيئة يفوق تأثير ثاني أكسيد الكربون، والسبيل الوحيد لمقاومة ذلك هو توفير الفرص للدول الفقيرة لكي تتبنى تكنولوجيات حديثة صديقة للبيئة.
ولهذه الأسباب وغيرها لا يمكن أن ندع الأسواق الاقتصادية تحدد النتائج الاجتماعية لنا جميعًا، لأن الفائزين يأخذون كل شيء، فيرى الكتاب أن السياسات الاقتصادية المنظمة للضرائب على الثروات والانبعاثات الكربونية، وبرامج التحويل النقدي غير المشروط يمكنها المساهمة في إصلاح مشكلات انعدام المساواة.
الفكرة من كتاب اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة
بعدما حقق كتاب “اقتصاد الفقراء” نجاحًا في وصف الطبيعة الاقتصادية للفقر وتقديم حلول عملية لمحاربته، قرر الكاتبان الشروع في دراسة المشكلات الاقتصادية الأكثر بروزًا في الدول المتقدمة، وذلك لوجود أوجه تشابه كبيرة بينها وبين تلك المشكلات التي تظهر في الدول النامية، إلى جانب التأثير المتبادل في ما بينها، فالعالم بأكمله يعاني من تبعات التقدم التكنولوجي وتأثير ذلك في فرص العمل والأجور، وكذلك زيادة التفاوت في مستوى الدخل، وانعدام الثقة في الحكومات وعلماء الاقتصاد في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، ويرجع الكتاب ذلك إلى أن علماء الاقتصاد نادرًا ما يحاولون توضيح المنطق المعقد لأغلب القرارات الاقتصادية التي تخص العامة، موضحًا أن الاقتصاديين ينتهجون أسلوبًا يعتمد على البديهة والعلم معًا، كما أن المعايير الاقتصادية مثل مستوى الدخل يمكن أن تكون مضللة وتؤدي إلى استنتاجات خاطئة، ولذلك يحاول الكتاب أن ينتهج أسلوبًا يوضح الواقع من خلال الحقائق، آخذًا في الاعتبار الرغبة البشرية في تَلَقِّي التقدير والاحترام، وهو يطلب من القارئ أن يشاركه النقاش والأساليب العلمية في تقصي الحقائق.
مؤلف كتاب اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة
أبهيجيت بانرجي وإستر دافلو: باحثان في الاقتصاد بجامعة MIT، وحاصلان على جائزة نوبل عام 2019 تقديرًا لجهودهما في تقديم حلول جديدة وعملية للمشكلات التي تواجه الفقراء في العالم، إذ أسهم الكاتبان في إنشاء معمل “عبد اللطيف جميل” لمكافحة الفقر، الذي يجري تجارب عشوائية مُحْكَمَة بهدف الحصول على معلومات، ونشر أوراق بحثية تساعد على تقديم برامج قابلة للتنفيذ، بالتعاون مع المنظمات المعنية بتقديم الدعم للفقراء، الحكومية والتطوُّعية، كما ألفا كتاب “اقتصاد الفقراء” الذي فاز بجائزة أفضل كتاب اقتصاد لعام 2011 من مجلة فاينانشيال تايمز.