المراهقة في الإسلام
المراهقة في الإسلام
المصطلح يجب أن يعبِّر عمَّا يُطلق عليه لغويًّا ومعنويًّا، وهذا ما ورث الاختلاف على تسمية مرحلة عمرية بمصطلح المراهقة في الشريعة الإسلامية دون أن يوجد رابط وثيق، ويقول في ذلك الأستاذ مصطفى الحيادرة: “أجمعت مجامع اللغة العربية المعروفة في العالم العربي لقبول أي مصطلح؛ اشتراط وجود علاقة بين معناه اللغوي والاصطلاحي”، لذا فالتصديق على إدخال مصطلح ما يجب أن يتوافر فيه رابط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، وهذا لا يتحقَّق في مصطلح المراهقة، حيث إن المراهقة هي من مادة رَهَقَ، وجاءت في القرآن الكريم في عدة مواضع مختلفة، لكن لم تأتِ بمرادف للمرحلة العمرية، وجاءت في السنة النبوية تعبيرًا عن المرحلة العمرية بمفهوم واضح، حين جاء في أثر عن سيدنا أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: “فخرج بي أبو طلحة مُردِفي، وأنا غلام راهقتُ الحلمَ، فكنتُ أخدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا نزل”، وجاء أثر عن سيدنا الحسن يقول فيه: “أدركتُ عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وأنا يومئذٍ قد راهقت الحلم”، وهذا يعطينا تنبيهًا مهمًّا حول ارتباط ضابط مفهوم المراهقة وحكمها الشرعي عند الصحابة.
ولو قمنا بتتبُّع زمني منذ القرن الأول حتى الخامس عشر لمصطلح المراهقة عند العلماء لوجدنا أمثلة كثيرة منها اختصارًا: قول القاضي عياض السبتي أن “راهق الغلام: إذا قارب البلوغ ودنا منه”، والإمام القرطبي في بداية المجتهد أن “وأما كتابة المراهق القوي على السعي الذي لم يبلغ الحلم فأجازها أبو حنيفة، ومنعها الشافعي إلا للبالغ، وعن مالك القولان”، وحدَّد الإمام الكفوري في كتابه الكليات “المراهق: هو من عشر سنين إلى خمس عشرة سنة، والمراهِقة: من تسع سنين إلى خمس عشرة سنة، والمبتدَأة: هي المراهِقة التي لم تبلغ”، وعن الشوكاني في آية ﴿إِلَّا ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ﴾، قال الولدان هنا المراد منها المراهقون والمماليك، ومن جموع أمثلة العلماء المتعدِّدة أن المراهقة والبلوغ مختلفان، والمراهقة مرحلة قبل مرحلة البلوغ، وبهذا يتفق المعنيان اللغوي والاصطلاحي.
الفكرة من كتاب دعه فإنه مراهق.. قراءات في تحرير مصطلح المراهقة
حين يتخطَّى الإنسان فترة الطفولة، سريعًا ما نُبرِّر كل تصرُّف أهوج له بأنه مراهق فاتركه! وقد يصل إلى أننا نرفع عنه كل خطأ يقع فيه، احتجاجًا بهذا المصطلح الذي بنسبة كبيرة هو مصطلح غربي منقول لنا دون تنقية منهجية شرعية أو لغوية، لكن السؤال هنا: هل حقيقي أن المُراهق إنسان مضطرب؟ وما مدى صحَّة ذلك؟
هذا ما سنكتشفه في رحاب هذا الكتاب، ويجعلنا نقف ناقدين لهذا المصطلح وهو “المراهقة”، بل يُغير نظرتنا تجاه هذه المرحلة، ويجعلنا متسائلين عن ماهية هذا المصطلح ومعاييره، وأيضًا حرَّر لنا الكاتب بشكل جديد مصطلح المراهقة عند الغرب والعرب، ومرحلة المراهقة في الإسلام، وكيفية تهيئة الطفل للبلوغ.
في هذا الكتاب سنُحرِّر أنفسنا قليلًا من عبء الدراسات الغربية التي فُرِضَت علينا دون تفكير ناقد منا، حتى نأخذ ما يُناسبنا، ونترك ما لا يُناسب مجتمعنا وأفكارنا، وكما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري (رحمه الله): “نقوم بنقل أطروحات الغرب بكفاءة غير عادية تبعث على التثاؤب والملل”.
مؤلف كتاب دعه فإنه مراهق.. قراءات في تحرير مصطلح المراهقة
عبد الله الطارقي: باحث في قضايا الطفولة والشباب، ومهتم بأصالة العلوم النفسية من معارف الوحي.
ومن مؤلفاته أيضًا: “من لم يكن مهندسًا فلا يدخل منزلي”.