المرأة قبل وبعد
المرأة قبل وبعد
حتى ندرك مدى التغيير الجذري الذي فعله الإسلام في مفاهيم ومعتقدات الناس فعلينا أن نفهم الوضع الذي كانوا عليه قبله ونحلِّله كاملًا حتى نتوصَّل إلى القَطع بقوة تأثيره.
وضع المرأة بشكل عام كان قبل الإسلام مضطربًا أو مشوَّهًا بمعنى أصح، فالمرأة الحرة عند اليونان مثلاً لم يكن لها حق في التعليم أو الطلاق أو الميراث، في حين أن الجارية على النقيض من ذلك، فقد كان لها حق الانخراط في المجتمع مع الرجل لكن من جهة أخرى؛ من جهة الفن والغناء والفلسفة، أما عند الإمبراطورية الرومانية فقد كانت تحت السيادة والسلطة، سواء سلطة الأب أو سلطة الزوج لأنهم كانوا يرونها مفتقرة إلى الأهلية كالصبي والمجنون تمامًا، وعلى المرأة وقتها أن تكون من الأوساط الراقية حتى تشارك في بعض مجالات الحياة وتحظى بشيء من تقدير الرجل، وانتشار العلاقات المحرَّمة وقتها بين المتزوجين كان تطورًا طبيعيًّا للتسلُّط والعنف والقسوة التي كانت تعانيها المرأة، ولما اعتنقت الإمبراطورية الدين المسيحي لم يتغيَّر الأمر كثيرًا، بل ازداد سوءًا، فبعد أن كانت خاضعة للسلطة ومضطهدة من قِبَل أبيها أو زوجها أصبحت مضطهدة من الدين أيضًا لأنه كان يعتبرها مصدر الشر وسبب الغواية الأولى لآدم.
في المجتمع الفارسي تحسَّن الوضع قليلًا في عهد زرادشت، فأصبح لها الحق في اختيار الزوج وطلب الطلاق وملك العقارات، لكن سرعان ما سُلِبت منها هذه الحقوق مرة أخرى بعد انتهاء عهد زرادشت.
في الجزيرة العربية لم يختلف الوضع كثيرًا، فالمرأة كانت تحت سلطة الرجل أيضًا، يطلِّقها، يتزوج عليها، يئدها، أو يظاهر منها ويحرمها من الميراث، وكل ذلك تحوَّل مع الوقت إلى عادات راسخة وتقاليد موروثة يكاد يكون من المستحيل تغييرها بحال، وساعد على ذلك طبيعة البيئة الصحراوية وحياة التنقل المتكررة التي كان يعيشها أهل الجزيرة العربية، كما أنهم لم يكونوا منعزلين أيضًا عن الحضارات والثقافات الأخرى اليهودية بشكل خاص، حيث استوطنوا يثرب وصنعوا لهم نظامًا اقتصاديًّا وسياسيًّا، فتعلَّم العرب منهم أمورًا وتعلَّموا هم من العرب أمورًا أخرى أيضًا.
لما جاء الإسلام كرَّم المرأة تكريمًا تشوَّفت إليه نساء العالمين ورأوا فيه مخلِّصهم، فقد أعلنها الإسلام صريحة، موضحًا أصل المنشأ والتكليف والمنتهى، مكلفًا كلًّا من الذكر والأنثى بتكاليف الاستخلاف تكليفًا يتكامل فيه الاثنان معًا لا ندًّا لند ولا سلطة لأحدهما فوق الآخر، وبهذه الصورة الواضحة المنضبطة فتح الطريق أمام النساء للتعلم والتعليم والبناء والمشاركة في إنشاء المجتمع، وما نحن فيه اليوم لا يعد حَكَمًا، فقد عكَّره كثير من الموروث الفاسد إضافةً إلى تصرُّفات بعض الجهلة المنتمين إلى الإسلام.
الفكرة من كتاب ماذا قدَّم النبي الكريم للإنسانية؟
إن المقارنة بين الأشياء المادية أو المعنوية التي تهدف إلى الخروج بنتيجة عادلة تتطلَّب قدرًا من الحيادية والصدق في تطلُّب الحق الواضح الذي لا اختلاف عليه، وذلك ما نجده في هذا الكتاب، حيث تقوم الكاتبة بالعرض التاريخي المتفق عليه بين المؤرخين والباحثين لحال العالم من جوانب عدة قبل الإسلام وبعده، مستخدمة الأدوات العلمية المنضبطة ومبتعدة عن الأسلوب الحماسي العاطفي في الطرح.
مؤلف كتاب ماذا قدَّم النبي الكريم للإنسانية؟
رقية طه جابر العلواني: أستاذة الدراسات الإسلامية في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين، نالت العديد من الجوائز، وشاركت في العديد من المؤتمرات الدولية، ومن أبرز مؤلفاتها:
أثر العُرف في فهم النصوص.
تدبر الزهرَاوَيْن.
ميراث المرأة بين النص والتأويل.