المرآة المالية
المرآة المالية
هل يستطيع المال أن يُمثل مشاعرنا كما كان يعتقد بنتام؟ أو أن يكون مؤشرًا لمُعدل اللذة أو الألم في المجتمعات؟
النقود شيء فريد قد يكون سببًا في دراما سيكولوجيَّة، وذلك لأن المال يقوم بوظيفتين متعاكستين، فهو مخزَن للقيمة ووسيط للمُقايضة، وبهذا يتحوَّل المال من مُجرد شيء يحمل القيمة إلى شيء نتعلَّق به ونرغب به، وهو لأنه وسيط للمُقايضة فإنه يفتح آفاقًا غير محدودة للحصول على ما نرغب به.
تكمن الخطورة في هاتين الوظيفتين أن الناس إما يعطون النقود قيمة مبالغًا فيها فيكون الاكتناز وانكماش الأسعار، أو يبخسون قيمتها فتكثُر المقايضة ويحدث التضخُّم، ولهذا قام الاقتصاديون باختراع الكيان الغامض “القيمة”، وفكرة القيمة تقول إن النقود في حد ذاتها ليست الشيء الأهم في الحياة، لكنها المقياس المالي لأي شيء نعتبره مُهمًّا.
ووفقًا لهذا النموذج يُمكن للاقتصاديين دراسة “الحاجات” الداخلية للمُستهلك، وبهذا ترتبط السوق الحرة ارتباطًا وثيقًا بعالم الانفعالات والرغبات غير المرئية إلى حيز الرؤية، وبالتالي تكون الرأسمالية مدفوعة برغبة المُستهلك.
ولكن الاقتصادي استانلي جيفونز كان يبحث فيما وراء ذلك، فقد كان يبحث عن الآلية التي يعمل بها الدماغ للوصول إلى اللذة، وكأنه يبحث عن ميكانيكا العقل الاقتصادية، والذي انتهى في نهاية المطاف إلى أن مادة الدوبامين هي المادة التي يُفرزها الدماغ حينما يحصل على اللذة، وكانت هذه نقطة الالتقاء بين الاقتصاد وعلم السيكولوجيا والأعصاب، فنشأ علم الاقتصاد العصبي.
ومن هُنا لم تعد المناظير الوميضية أو أجهزة الأشعة المقطعية أو الاختبارات الهرمونية تُستعمل في الأغراض الطبيَّة العلمية الخالصة، بل تستعمل في كثير من الأحيان لخدمة أغراض السوق، وكأن العلماء يبحثون عن “زر الشراء” داخل الدماغ.
الفكرة من كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
في عام 2014.. في افتتاحية مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستقطب أصحاب الأموال، وصُنَّاع القرار، وقادة الدول، لمعالجة القضايا الاقتصادية العالمية، يتقدَّم راهب بوذي في إحدى المُحادثات ليُعلِّم الأعضاء فن الاسترخاء، والاستغراق العقلي.
وفي الحقبة الماضية نرى الترويج المستمر لحركة علم النفس الإيجابي، وكيف يُمكننا أن نشعر بالسعادة خلال الحياة اليومية، ونرى كذلك مُسمًّى وظيفيًّا جديدًا في الشركات “مديري السعادة” هؤلاء الذين ينشرون البهجة، ويساعدون العُمَّال على استعادة حماستهم للعمل.
كل تلك الأمور لا تكفُّ عن ترتيل أن السعادة “خيار” شخصي في عالمنا المجنون، والحقيقة هي أن سعادتك أيُّها الموظف شيء مُهم لأجل زيادة الأرباح، وكل تلك الحيل تجعل السعادة أمرًا يمكننا الاستفادة منه داخل البيئة الرأسمالية لا لأجلك أنت، بل لأجل المال.
ومن هنا يُقدِّم لنا الكاتب كيف تجعل الرأسمالية الحياة بأكملها مُختبرًا تقيس فيه السعادة؟ كيف تصنعها؟ كيف تبيعها؟ وما الظواهر النفسية والجسدية والقيمية الناتجة من الرأسمالية؟
مؤلف كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
ويليام ديفيز: أستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي، عمل بالتدريس في جامعة Goldsmiths University بلندن، وقد كتب عددًا من المقالات في بعض المجلات مثل New Left Review وProspect وThe Financial Times، وعمل مُحررًا في Open Democracy Renewal.
من مؤلفاته:
The Limits of Neoliberalism: Authority, Sovereignty and the Logic of Competition.
Nervous States: Democracy and the Decline of Reason.
معلومات عن المُترجم:
مجدي عبدالمجيد خاطر: كاتب ومترجم مصري، نُشرت ترجماته في المركز القومي للترجمة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار “أزمنة” في الأردن، ودار “كلمات” بالإمارات، وغيرها من الصحف والمجلات العربيَّة، كما قام بتأليف مجموعة قصصية بعنوان “مجرَّد شكل” في عام 2005.