المديح بين الإنصاف والنفاق
المديح بين الإنصاف والنفاق
سمع النبي ﷺ رجلًا يُثني على آخر، ويزيد في مدحه ويُبالغ، فقال ﷺ: “أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل”، وفي رواية قال ﷺ: “ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك” مرارًا، ثم قال: “من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلانًا، والله حسيبه، ولا أزكِّي على الله أحدًا، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه”، وفي هذا الموقف تتضح بعض الأساليب التي استعملها النبي ﷺ لتوجيه المُخطئ، ومنها أنه بيَّن خطورة ومضرَّة الخطأ، فتوضيح مفاسد الخطأ وما يترتب عليه من العواقب أمر مهم في الإقناع، فالمادح قد يجازف في المدح ويقول ما لا يتحقَّقه ويجزم بما لا يستطيع الاطلاع عليه فيكون قد كذب، وقد يُرائي الممدوح بمدحه فتكون هذه مصيبة أعظم من الكذب، وقد يفسد نوايا الممدوح، ويدخل عليه الغرور.
ولهذا علَّم النبي ﷺ أصحابه الطريقة السليمة المنضبطة إذا أراد المرء مدح فلان، فالأسلوب العملي وعدم ترك الخطأ دون توجيه وتقديم بديل صحيح للخطأ وسيلة ناجحة في معالجة الأخطاء، فمجرد الاكتفاء بالتخطئة دون تقديم البديل أو بيان ما هو واجب فعله خطأ كبير في التوجيه والنصح، ولكن الانتباه إلى أن تقديم البديل لا بدَّ أن يكون في الإمكان والقدرة وفي الحدود الشرعية.
فإرشاد المخطئ إلى تصويب خطئه أسلوب مناسب في التوجيه، وقد كان ذلك من النبي ﷺ بعدة أساليب، منها: محاولة لفت نظر المخطئ إلى خطئه ليقوم بتصحيحه بنفسه، ومنها طلب إعادة الفعل على الوجه الصحيح إذا كان ذلك ممكنًا، كقصَّة الرجل الذي طلب منه النبي ﷺ إعادة صلاته، فإعادة الفعل من المخطئ تجعله ينتبه إلى خطئه فيصوِّبه، فالخطأ قد يكون بسبب النسيان، وإذا لم ينتبه وجب البيان والتفصيل.
الفكرة من كتاب الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس
لم تكن السيرة النبويَّة يومًا قصصًا مُجرَّدة من الفوائد الجليلة والدروس العظيمة، بل الهدف الأوَّل لها هو أن يتأمَّل المرء في سيرة نبيِّه مُحمد ﷺ ليقتدي بهديه ومنهجه، ففي هذا الكتاب يُقدِّم لنا الشيخ المنهج النبوي في التعامل مع الأخطاء البشريَّة، فمنهجه ﷺ هو الأكمل والأحسن، وذلك لأنه مؤيَّد من ربِّه في أفعاله وأقواله، على عكس المناهج الأرضية التي يعترضها الخطأ والانحراف، كما أن التوجيه والتعليم والتقويم هو أجلُّ هديَّة يُقدِّمها المرء لغيره، وبناء على ذلك فمن الضروري الحرص على اختيار أفضل منهجية ووسيلة يستطيع المرء بها توجيه غيره.
مؤلف كتاب الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس
محمد صالح المنجد، داعية وعالم إسلامي سوري، ولد في 13 يونيو 1961م، نشأ في الرياض وتعلم في المملكة العربية السعودية، حصل على البكالوريوس من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ثم سلك بعدها طريق الدعوة إلى الله، وذلك بتوجيه من الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله)، فبرز في المجال الدعوي وألقى العديد من المحاضرات والدروس، كما أنه من أوائل من استخدم الإنترنت في الدعوة إلى منهجه، وذلك بتأسيسه الموقع الإسلامي “سؤال وجواب”.
له العديد من المؤلفات، منها: “تقرأ كتابًا”، و”33 سببًا للخشوع في الصلاة”، و”كيف عاملهم؟”، وسلسلة “أعمال القلوب” وتحتوي عشرة كتيبات.