المخضرمة
المخضرمة
امرأة أخرى حلَّاها الإسلام بحلَّته وأضاف إلى شخصيتها القوية قوة في الحق، فبعد أن فقدت أخويها صخرًا ومعاوية في الجاهلية فكانت ترثيهما وتبكي عليهما وتجزع لفراقهما، أرسلت في إسلامها أولادها الأربعة يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة ليُستشهدوا دفعة واحدة، بل كانت هي مَن حرَّضتهم على ذلك بقولها :”يا بنيَّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة… فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين فأعدوا على قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه منتصرين فإذا رأيتم الحرب قد شمَّرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت نارًا على أوراقها، فتيمَّموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام حميسها تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمُقامة”، فلما بلغها خبر استشهادهم قالت: “الحمد لله الذي شرَّفني باستشهادهم وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”.
إنها الخنساء المخضرمة شاعرة الجاهلية والإسلام، سُمِّيت بذلك لِقِصر أنفها وارتفاع أرنبتيه، واسمها تماضر، اشتُهرت بالشعر والفصاحة وقوة الشخصية وحرية الرأي، يكسو شعرها الحزن والبكاء والأسى ومع ذلك فقد شهد لها الشعراء بأنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها، وقال فيها نابغة الذبياني أحد الشعراء المشهورين: “الخنساء أشعر الجن والإنس”، وسُئِل جرير أيضًا وهو من الشعراء عن أشعر الناس فأجابهم: “أنا لولا الخنساء، قيل: فيمَ فضل شعرها عنك؟ قال: بقولها:
إنَّ الزمان وما يفنى له عجب … أبقى لنا ذَنَبًا واستؤصل الراسُ
إن الجديدَين في طول اختلافهما … لا يفسدان ولكن يفسد الناسُ
بل وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعجبه شعرها وينشدها بقوله لها “هيه يا خُناس” ويومئ بيده.
وفي يوم بدر كان قد بلغ هند بنت عتبة قول الخنساء: أنا أعظم العرب مصيبة، بعد فقدها لأخويها، فلما حصل لهند ما حصل من فقد لأب وعم وأخ قالت: أنا أعظم مصيبة من الخنساء، وقدَّر الله أن تلتقي الشاعرتان، فقالت الخنساء لهند: من أنت يا أخيَّة؟ فقالت هند: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، بلغني أنك تعاظمين العرب في مصيبتك، فبم تعظمينهم؟
فقالت الخنساء: بأبي عمرو بن الشريد، وصخر ومعاوية ابنيَّ، وبم تعظمينهم أنت؟ قالت: بأبي عتبة بن الربيعة وأخي الوليد، قالت الخنساء: أو سواءهم عندك؟ ثم أنشدت أبياتًا مطلعها:
أبكي أبي عمرًا بعين غزيرة … قليلٌ إذا نام الخليُّ جحودُها
وأجابت هند:
أبكي عميد الأبطحين كليهما… وحاميهما من كل باغٍ يريدُها
أبي عتبةُ الخيرات ويحكِ فاعلمي… وشيبةُ والحامي الذمارَ وليدُها
أولئك آلُ المجد من آل غالبٍ… وفي العزِّ منها حين ينمي عديدُها
الفكرة من كتاب من شهيرات النساء
جاهلٌ من اتهم التاريخ العربي والإسلامي بخلوه من النماذج النسائية الباهرة والمتميزة، وفي هذا الكتاب يطوِّف بنا مؤلفه على سير بعض النساء اللاتي عدَّهن من شهيرات النساء قديمًا وحتى فترة قريبة معاصرة.
مؤلف كتاب من شهيرات النساء
سامي عبد الرحمن قباجة: من المهتمين بالكتابة في القصص والسير، وله عدة مؤلفات منها:
من قصص الصالحين.
أقوال وحكم من درر السلف.