المحراب الكبير والمنارة
المحراب الكبير والمنارة
يتجه المصريون في الصلاة نحو أربعة محاريب، وهي محراب الصحابة ومحراب مسجد أحمد بن طولون ومحراب الجامع الأزهر ومحراب مساجد بلاد الساحل، ويميل محراب الجامع الطولوني عن اتجاه القبلة بمقدار ١٤° ناحية الجنوب الغربي، وهو مختلف عن اتجاه محراب الصحابة، ويقال إن سبب ذلك هو اقتداء ابن طولون بمحراب مسجد النبي (ﷺ)، حيث أرسل إلى المدينة من يرى اتجاه محراب المسجد فوجد أنه يميل ناحية الجنوب، وقيل إنه رأى في منامه النبي (ﷺ) يرسم له المحراب وعندما استيقظ رأى النمل يسري في المكان الذي رسمه النبي (ﷺ).
تم بناء المحراب على شكل مجوَّف نصف دائري، وتجويفه داخل الجدار أعمق من غيره من المحاريب، ومغطَّى بألواح من الرخام الملون، وأعلاه إطار من الفُسَيْفساء المذهبة البيزنطية المكونة من فصوص الزجاج على شكل زهور وأوراق وفيها كتابة جميلة بالخط الكوفي البسيط وهي “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وعلى جانبيه عمودان من الرخام موضوعان في زوايا مغطاة أيضًا بالرخام، ويعلوهما أربعة تيجان من الرخام من الطراز البيزنطي، وفوق المحراب في السقف قبة خشبية صغيرة، وتوجد خمسة محاريب أخرى بُنِيَت بعد عهد ابن طولون.
أما المنارة فهي موجودة في الرواق الخارجي الغربي، وهي غريبة وتعتبر من الألغاز، ولا يوجد مثلها في البلدان الإسلامية، فهي تتألَّف من ثلاثة أدوار؛ دور مربع ثم دور أسطواني ثم دور مُثَمَّن، وترجع غرابتها إلى عدم وجود تناسب بين ضخامتها وطولها، كما أن السُلَّم على هيئة مدرَّج حلزوني، ويوجد أعلى المنارة مَرْكِب -أي سفينة- يسمى “العشاري” مصنوع من النحاس، وهو يدور مع حركة الرياح، وكان يوضع فيها حبوب للطير.
يوجد بصحن الجامع في وسطه ميضأة تتألَّف من قاعدة بُنِيت بحجر من جبل المقطم، وأعلاها قبة، وأرضيتها من الرخام، وهذا البناء يعود إلى عهد الملك المنصور لاجين، وقد كان مكانها في عهد ابن طولون ميضأة أعلاها قبة وتحت القبة إناء من الرخام، وفي منتصفها منبع ماء وكانت للزينة وليست للوضوء ولكنها احترقت سنة ٣٨٦ هـ.
الفكرة من كتاب تاريخ ووصف الجامع الطولوني
نتعرف في هذا الكتاب على الأمير أحمد بن طولون وأعماله، ونعرض أيضًا تاريخ الجامع الذي بناه فظل موجودًا إلى الآن كواحد من أقدم الآثار العربية في مصر، كما نَصِف الجامع أيضًا من الداخل والخارج، هيا بنا لنأخذ جولة في جامع ابن طولون..
مؤلف كتاب تاريخ ووصف الجامع الطولوني
محمود عكوش: مؤرخ مصري، وخبير في الآثار، ولد عام ١٨٨٥م، التحق بمدرسة الأنجال التي قام بتأسيسها الخديوي توفيق لأبنائه، وبعد إتمام دراسته عمل سكرتيرًا في لجنة حفظ الآثار العربية، كما قام بالتدريس في المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، وقدَّم له المعهد الوسام الأكاديمي، وقد عُرِف بسعة علمه بالآثار العربية والتاريخ الإسلامي، كما أنه قد أتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وتوفي عام ١٩٤٤م، وسُمِّي باسمه شارع بالقاهرة في مدينة نصر.
من أعماله: “المسجد الأعظم بالمدينة”، و”مصر في عهد الإسلام”.
من الأعمال التي قام بترجمتها: “حفريات الفسطاط”، و”سلسلة تاريخية للآثار العربية”.