المحددات الواقعية
المحددات الواقعية
تتعدد القضايا الواقعية التي تحدد اتجاه البحث وحركته في السياسة المقارنة، فيتعلق بعضها بالموضوعات محل الدراسة -المعرفية- ويتعلق بعضها الآخر بالبيئة التي يقارن هذا الحقل بين مكوناتها، أو البيئة التي تؤثر في الباحثين الذين يقودون دفة هذا الحقل.
فمن تلك القضايا الواقعية الصراع الأيديولوجي بين مدارس فكرية متعددة، فصراع الأفكار دائمًا ما يفضي إلى تطورها، مما يفتح الباب أمام المقارنة، وطبيعة المقارنة تكمن في وجود أوجه من التشابه والاختلاف بين النظم، وهذا دفع إلى ظهور نظم سياسية جديدة، فلم يعد الأمر يقتصر على دراسة نظم سياسية غربية فحسب، بل انشغل بدراسة نظم جديدة تقع خارج دائرة الحضارة الغربية كذلك،
ومن ثم وجب ترابط ظهور نظم سياسية جديدة مع اختلاف الأطر الفكرية، مما يساعد على تطور السياسة المقارنة، وإلا تعرضت للجمود كما حدث معها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتقسيمه خمسًا وعشرين دولة، لم تلبث أن انخرطت جميعها بمفهوم العولمة، مما أدى إلى تضاؤل استقلالية الدول ذاتها، وتدهور خصوصياتها.
وهذا ما نرمي إليه بطبيعة المشكلات والظواهر السياسية، فالسياسة المقارنة تتعامل مع المشكلات والظواهر السياسية الواقعية، أكثر من الأفكار السياسية، أو التاريخ السياسي، وهذا ما يجعل العلماء شديدي الحساسية لتغيرات الواقع وحاجاته، فيظل الباحث متمسكًا بأطرٍ منهجية ونظرية طالما كانت تعينه على فهم الواقع وتحليله، فإن فشلت في ذلك، لجأ العلماء إلى أطر جديدة، وهذا ما تراه بارزًا في سبعينيات القرن العشرين، فقد استجدت مشكلات واقعية دفعت إلى دمج جماعات المصالح في جهاز اتخاذ القرار للدولة.
وأخيرًا تعمل السياسة المقارنة للبحث في طبيعة العلاقة بين العلم والمجتمع السياسي، إذ يخدم العلم النظرة السياسية بشكل أو بآخر وهذا ما سنراه واضحًا، في خدمة الجامعات الأمريكية لمصالح الرأسمالية.
الفكرة من كتاب الاتجاهات المعاصرة في السياسة المقارنة: التحول من الدولة إلى المجتمع ومن الثقافة إلى السوق
إن الحديث عن السياسة المقارنة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحديث عن علم السياسة ذاته، إذ يسعى إلى خلق نهضة في علم السياسة من خلال خلق أطر جديدة لتوسيع حدود علم السياسة، وتعتبر السياسة المقارنة مستودع المفاهيم والنظريات وطرائق البحث ومناهجه، التي تحدد طبيعة علم السياسة ومجاله ونطاق دراسته في أية مرحلة من مراحل تطوره، فهو يدور حول المواضيع ذاتها التي يدور حولها علم السياسة، مثل: من يحكم؟ وعدد الحكام؟ ولمصلحة من يكون الحكم؟
فالفرق بين علم السياسة والسياسة المقارنة، هو أن السياسة تعالج الموضوعات في فروعها المختلفة من زاوية ماهيتها وجوهرها، بينما يتناولها علم السياسة المقارنة من زاوية البحث عن أوجه الشبه والاختلاف بين النظم والكيانات والظواهر السياسية المتباينة، فينبغي تقييم حقل السياسة المقارنة من خلال منهجه، أكثر من موضوعه.
يتناول الكاتب دراسة التطور في حقل علم السياسة المقارنة، فنبدأ بتقديم رؤية كلية لحالة العلم، ومن ثم دراسة المحددات المعرفية والواقعية النابعة من الظاهرة السياسية ذاتها، لأن أي تغيير يطرأ على الظاهرة السياسية يؤثر في تطور حقل السياسة المقارنة، ومن ثم سنتناول الاتجاهات المعاصرة لحقل السياسة المُقارنة، سواءً على مستوى البنية المنهجية، أو البنية الموضوعية.
مؤلف كتاب الاتجاهات المعاصرة في السياسة المقارنة: التحول من الدولة إلى المجتمع ومن الثقافة إلى السوق
نصر محمد عارف: تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام ١٩٩٥م بمرتبة الشرف، عُيّن معيدًا بجامعة القاهرة إلى أن وصل إلى رتبة أستاذ مشارك، كما أنه أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، وله عديد من المؤلفات، ومنها:
التنمية من منظور متجدد التميز، العولمة، وما بعد الحداثة.
الأبعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية.
أزمة الأحزاب السياسية في مصر: دراسة في إشكاليات الوجود والشرعية والوظيفة.