المحددات المعرفية
المحددات المعرفية
إن السياسة المقارنة فرع من علم السياسة، وعلم السياسة فرع من علوم الاجتماع، فينطبق عليهما التأثر بكلٍّ من الإشكالات المعرفية والمشكلات الواقعيّة، ومن ثم يتأثر تطور علم السياسة المقارنة بالتغير في النموذج المعرفي السائد، ونقصد بالنموذج المعرفي تلك البنية الفلسفية التي تحدد طبيعة العلوم ومحتواها وأهدافها بمختلف مجالاتها.
فهناك ثلاث مراحل أساسية للتحول في البنية المعرفية في علم السياسة المقارنة:
أول مرحلة: النموذج المعياري الفلسفي، وهو عبارة عن تحليل البنى الفلسفية، والقانونية، والخلفيات التاريخية، والبحث فيه يسعى إلى تقديم وصفات وتوصيات حول شكل الحكومة الأمثل، ومحتوى الدستور الأفضل، وطبيعة المؤسسات الرسمية الأكثر فاعلية.
ثاني مرحلة: النموذج السلوكي “النموذج التنموي” وهو يحلل المؤسسات والنظم والسلوكيات وشبكات العلاقات، فقد أُنشئ النموذج السلوكي بعد انهيار النموذج المعياري الفلسفي، وقد ارتبط بأعمال “لجنة السياسة المقارنة” التي انبثقت عن “مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية” التي ساعدت على نمو حقل السياسة المقارنة من خلال تطوير مفهوم النظام السياسي، فلم يعد يقف عند المؤسسات الرسمية فقط، وإنما يرتبط بتنويع ضخم بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بين الأفراد والكيانات الاجتماعية والسياسية، فتحول الاهتمام إلى محاولة بناء نظريات عامة قادرة على التعميم، والتنبؤ، ومحاولة الوصول إلى علم خالٍ من القيم على غرار العلوم الطبيعية، لكن بسبب عدم وصول النموذج التنموي إلى أهدافه، ظهر نموذج جديد منذ بداية عقد السبعينيات.
النموذج الثالث الجديد: نموذج ما بعد السلوكي، ويقتضي تحليل المخرجات السياسية، والفاعليات المجتمعية، والأبعاد الاقتصادية للظاهرة السياسية، فقد حاولت تلك المرحلة الربط بين علم السياسة والاجتماع والسياسة المقارنة، وركزت أكثر على المجالات البينية.
الفكرة من كتاب الاتجاهات المعاصرة في السياسة المقارنة: التحول من الدولة إلى المجتمع ومن الثقافة إلى السوق
إن الحديث عن السياسة المقارنة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحديث عن علم السياسة ذاته، إذ يسعى إلى خلق نهضة في علم السياسة من خلال خلق أطر جديدة لتوسيع حدود علم السياسة، وتعتبر السياسة المقارنة مستودع المفاهيم والنظريات وطرائق البحث ومناهجه، التي تحدد طبيعة علم السياسة ومجاله ونطاق دراسته في أية مرحلة من مراحل تطوره، فهو يدور حول المواضيع ذاتها التي يدور حولها علم السياسة، مثل: من يحكم؟ وعدد الحكام؟ ولمصلحة من يكون الحكم؟
فالفرق بين علم السياسة والسياسة المقارنة، هو أن السياسة تعالج الموضوعات في فروعها المختلفة من زاوية ماهيتها وجوهرها، بينما يتناولها علم السياسة المقارنة من زاوية البحث عن أوجه الشبه والاختلاف بين النظم والكيانات والظواهر السياسية المتباينة، فينبغي تقييم حقل السياسة المقارنة من خلال منهجه، أكثر من موضوعه.
يتناول الكاتب دراسة التطور في حقل علم السياسة المقارنة، فنبدأ بتقديم رؤية كلية لحالة العلم، ومن ثم دراسة المحددات المعرفية والواقعية النابعة من الظاهرة السياسية ذاتها، لأن أي تغيير يطرأ على الظاهرة السياسية يؤثر في تطور حقل السياسة المقارنة، ومن ثم سنتناول الاتجاهات المعاصرة لحقل السياسة المُقارنة، سواءً على مستوى البنية المنهجية، أو البنية الموضوعية.
مؤلف كتاب الاتجاهات المعاصرة في السياسة المقارنة: التحول من الدولة إلى المجتمع ومن الثقافة إلى السوق
نصر محمد عارف: تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام ١٩٩٥م بمرتبة الشرف، عُيّن معيدًا بجامعة القاهرة إلى أن وصل إلى رتبة أستاذ مشارك، كما أنه أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، وله عديد من المؤلفات، ومنها:
التنمية من منظور متجدد التميز، العولمة، وما بعد الحداثة.
الأبعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية.
أزمة الأحزاب السياسية في مصر: دراسة في إشكاليات الوجود والشرعية والوظيفة.