المحب غيور
المحب غيور
“أغار عليكَ من نفسي ومني.. ومنك ومن زمانك والمكانِ” كثير من المشاعر الإنسانية الرفيعة انحبست في معانٍ محددة تدل عليها وحدها، فأنت إن ذكرت الغيرة مثلًا أو مرَّت عليك كما في البيت السابق تبادر إلى ذهنك على الفور تلك المشاعر المتبادلة بين الرجل والمرأة، وإن أنت جهلت السياق أو الحدث، لكن بالإمكان أن نطلق المشاعر على عمومها لتشمل معاني أوسع، فالغيرة على سبيل المثال ترفع بالقلب أن يخالطه غيره في اختصاصه أو يأخذه بعيدًا عن تحقيق منفعته وهدايته كما عرَّفها الكاتب.
إذًا فالغيرة بذلك المعنى يمكن أن تشمل غيرة الرجل على امرأته والغيرة على الأوطان والغيرة على الممتلكات، وتعدُّ الغيرة على الأديان من أشرفها وأرفعها جميعًا، والغيرة لزوم المحبة، فعلى قدر محبَّتك تكون غيرتك، فبقدر محبتك إذًا لله ولرسوله ولدينه تكون غيرتك ودفاعك ونصرتك وحمايتك له، ولذا يتفاوت الناس في ذلك، فليس الجميع في المحبة سواء، إذ إن الدين مشاعر وشعائر وكلاهما محرك ودافع للآخر، ومن ثَمَّ يمكنك أن توَظِّف غيرتك توظيفًا عمليًّا تجاه شعائر الدين، فالدافع مثلًا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الغيرة لدين الله والدافع إلى الجهاد أيضًا هو الغيرة بشكل أو بآخر، وكذلك يمكنك أن توظف الغيرة تجاه أي ركن أو شعيرة من شعائر الإسلام، ومن أخصِّها وأجلِّها شعيرة الصيام.
ما إن تطل علينا بشائر قدوم ذلك الشهر المبارك إلا ويسبقها هجوم الخطاف ودُعاة الشتات، كل يبذل جهده ويرمي بسهامه ليصيب شيئًا من قلبك إن أخطأ سهمٌ أصاب آخر، كيف لا وقد سمحت أنت لهم بذلك فاستسلمت لساعات النمو والكسل، وساعات العمل والخدمة، وساعات الطهي وإعداد ما لذَّ وطاب، وساعات التواصل الاجتماعي، وساعات التسوق وساعات وساعات وساعات لا تنتهي، وهنا إذًا تظهر غيرة المسلم على شهره من أن يتفلَّت من بين يديه هنا وهناك، ومن أن يفوته الأجر ومن أن يتخلَّف عن جموع المسارعين إلى خيراته الطامعين في بركاته.
الفكرة من كتاب تراتيل رمضانية
“الصيام مَدرجةٌ إلى التقوى، فإذا انتظم الصائم في سِلكها، وترقَّى في معارج المتقين أورثه الله بحبوحة الجنة”.
يوصينا الكاتب هنا بوصايا ربانية نبوية تتعلق بالصيام وفضله وشرف زمانه، وبما يُتعبَّد لله به في شهره المبارك من شتى صنوف العبادات والقربات، ويتطرق إلى معانٍ رفيعة عظيمة تصطحبها معك خلال رحلة الثلاثين يومًا!
مؤلف كتاب تراتيل رمضانية
محمد بن يوسف الجوراني: كاتب ومحقِّق مخطوطات، ورئيس مركز الذخائر في المملكة الأردنية، نال درجة الماجستير في التفسير وعلوم القرآن، وفي عام 2012 حصل على درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية العالمية في الأردن.
من مؤلفاته: “الرقية الشرعية من الكتاب والسنة النبوية” و”العلاج بالقرآن”، و”وسائل الإعلام ونشر الدجل والشعوذة وكيفية علاج الظاهرة”. ومما حقق من المخطوطات والكتب كتاب “خلاصة الكلام على عمدة الأحكام لفيصل آل مبارك”.