المحبة دركات ودرجات
المحبة دركات ودرجات
تختلف المحبة بين الناس باختلاف الغرض منها، كما يرى الكاتب، نعم فحتى المحبة خلفها دواعٍ وأسباب ورغبات، فمحبَّة الوالد لولده محبة فطرية مودعة في نفوس البشر كلهم مؤمنهم وفاجرهم، وهي ليست كمحبة العشاق بالطبع التي قد تكون مكتسبة، ومحبة السلطان ليست كمحبة الإخوة بعضهم لبعض وهكذا، وقد يشوب المحبة قدر من الطمع فيما يعود على المحب من وراء هذه المحبة، فيبذل في سبيلها الغالي والنفيس، بل وقد يجامل فيتصنَّع حتى ينال مراده ويبلغ مقصده، وذلك المقصد قد يكون شريفًا مقبولًا وقد يكون وضيعًا منفِّرًا.
وعلى الرغم من أن الطمع ليس هو السبب الوحيد أو المنطقي للمحبة بين الناس فإن الكاتب يرى أنه سبب كل همٍّ وذلٍّ بينهم، فلولاه ما ذَلَّ أحد لأحد، فما ذَلَّ الابن لأبيه ولا العاشق لمعشوقته ولا المملوك لصاحب السلطة رغبة في نيل مال أو شهوة أو قضاء حاجة إلا طمعًا فيما عنده.
والمحبة كغيرها من مشاعر الإنسان إن لم تكن صافية خالصة لله وفي الله (عز وجل) فهي عرضة لأن يصيبها شائب من هنا أو هناك، كالغيرة مثلًا، والغيرة بمثابة الملح في الطعام لا بد منها بقدر معين منضبط، فإن ارتفعت وزالت زالت معها المحبة، وهي في أوساط النساء أكثر من غيرهن، وكم أودت الغيرة برجاحة عقل وصواب رأي لنساء من صفوة نساء التاريخ، فهبطت بهن الغيرة إلى أسفل سافلين، ومع هذا فإنه لا يعرف طعم الغيرة حقًّا إلا من ذاق الحب!
ويذكر الكاتب هنا خمس درجات لسلَّم المحبة نصعدها معه، فنبدؤها بالاستحسان لشكل المحبوب أو أخلاقه، ثم الإعجاب بالرغبة في النظر إلى المحبوب في حضوره، ثم الألفة والشعور بالوحشة حال غيابه، ثم الكلف وانشغال البال به، وأخيرًا الشغف الذي يتمثَّل في الامتناع عن الطعام والشراب والنوم، وليس الخبر كالمعاينة طبعًا!
الفكرة من كتاب مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
أصدق المعاني معانٍ ذاقها أصحابها بعد مرارة التجارب وتتابع الأيام وتراكم الخبرات ثم أخرجوها إلى الناس صادقة واضحة نافعة مصبوغة بصبغة الصفاء والعفوية والسهولة غرضهم فيها أن ينتفع أصحابها كما انتفعوا هم، لكنه مهما بلغ المعنى من الوضوح والجلاء والصحة أن يُستَوعَب إلا أن النفس تتوق إلى التجربة وخوض الحياة لتصنع تجربتها الخاصة وتستخرج معانيها هي، وليس الخبر كالمعاينة! وهذا ما سنتبينه في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة لأب ترأَّس الوزارة أيام الدولة العامرية، ثم ترأَّس هو نفسه الوزارة أيام المستظهر بالله العامري، ثم أيام المعتد بالله وتركها ليتفرَّغ لعلوم الإسلام قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره.
كان صاحب أسلوب وبلاغة وحجَّة، وكان يُعاب عليه اندفاعه وحدَّته في تناول آراء ومذاهب وأشخاص خصومه من علماء عصره.
ومن أبرز مؤلفاته:
الناسخ والمنسوخ.
الفصل في الملل والأهواء والنِّحل.
طوق الحمامة.
المفاضلة بين الصحابة.