المحافظون ودعاة الحداثة
المحافظون ودعاة الحداثة
يعتمد مفهوم النهضة في الإسلام على جانبين؛ وهما تهذيب الإنسان وتنظيم العالم، وينقسم الناس في موقفهم تجاه ذلك المفهوم إلى قسمين، وهما: المحافظون المتعلِّقون بالأشكال القديمة، ودعاة الحداثة المتطلِّعون إلى النمط الأجنبي، والمشترك بينهما أن كلًّا منهما ينظر إلى الإسلام من زاوية ضيِّقة باعتباره دينًا مجرَّدًا بالمعنى الأوروبي، مما يدل على القصور في فهم منطق الإسلام، بل والإخفاق في فهم روح الإسلام ودوره في التاريخ، حيث يدعو الإسلام أتباعه بالجمع بين الإيمان والعلم وبين الأخلاق والسياسة وبين المثل العليا والمصالح وبالاعتراف بوجود عالمين: العالم الطبيعي والعالم الروحي.
ولقد واجهت أمم كثيرة خارج العالم الغربي مشكلة كيفية الانتساب إلى الحضارة الغربية وهل ترفضها كليةً، أم تختار منها بحذر، أم تأخذها كلها بخيرها وشرِّها؟ والإجابة عن هذا السؤال المصيري شكَّل عوامل سقوط أو ارتفاع الكثير من الأمم بحسب الطريقة التي انتهجتها إزاء المنتج الحضاري الغربي، والمثال على ذلك قائم في نموذجين هما: اليابان وتركيا، فكلتا الدولتين تمثلان إمبراطوريتين قديمتين لكلٍّ منها ملامحها ومكانتها التاريخية، ثم جاءت الإصلاحات في كلٍّ من الدولتين، فاليابان قد حاولت أن توحِّد بين تقاليدها الخاصة وبين متطلَّبات التقدم، أما تركيا فقد تخلَّت عن تقاليدها واندفعت في طريق التغريب.
ودعاة الحداثة في العالم المسلم لم يكونوا من الحكماء فيعرفون كيف يطبِّقون الأفكار والقيم الأصيلة على الظروف المتغيِّرة ولكن تنكَّروا لتلك القيم و سحقوا كل ما هو مقدَّس فدمَّروا الحياة واستزرعوا بدلًا منها حياة مصطنعة غير حقيقية، وبذلك أصبحت الأمة مسخًا مشوَّهًا لا تعرف هويتها ولا إلى أين تمتد جذورها، ومن ثم لا تعرف الأهداف التي يجب أن تسعى إلى تحقيقها، فالنمط الذي قدَّمه أتاتورك يمثِّل النمط الغربي لفهم مشكلات العالم المسلم، مما أدى إلى التغريب والانسلاخ والهروب من مواجهة المشكلات الحقيقية، ومن العمل الجاد للارتفاع بالناس أخلاقيًّا وتعليميًّا، والتوجُّه كليَّةً إلى الخارج السطحي المصطنع.
الفكرة من كتاب الإعلان الإسلامي
إن “المجتمع الإسلامي لا يُبنى ولا يتم إصلاحه بالقانون أو باسم القانون، ولكن باسم الله وعن طريق تعليم الإنسان المسلم وتربيته”..
يناقش الكاتب في هذا الكتاب قضايا الأمة المسلمة ومبادئ النهضة والعوامل الخارجية المؤثرة في تقدمها وكيفية التعامل معها باقتراح حلول بناءة بتكثيف الجهود والمثابرة في العلم والعمل، ويُعدُّ هذا الكتاب هو الشقُّ العملي لفكر الكاتب حيث يضع فيه بيجوفيتش المبادئ التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي موجهًا الحديث إلى المسلمين الذين يعلمون إلى أي كيان ينتمون، ومن ثم معرفة ما تحتِّمه طبيعة هذا الانتماء.
مؤلف كتاب الإعلان الإسلامي
علي عزت بيجوفيتش : ناشط سياسي وفيلسوف إسلامي وأول رئيس جمهوري لجمهورية البوسنة والهرسك، ولد عام 1925 م بمدينة بوسانا كروبا، تخرج في جامعة سراييفو في القانون والآداب والعلوم، عمل مستشارًا قانونيًّا لمدة 25 عامًا ثم اعتزل وتفرَّغ للبحث والكتابة، حكمت عليه السلطات الشيوعية بالسجن خمس سنوات عام 1949م، وأفرج عنه سنة 1954م، أنشأ حزب العمل الديمقراطي بالتعاون مع أصحابه وخاض به انتخابات البوسنة المستقلة عام 1990م وفاز بأغلبية ساحقة، صمد علي عزت بيجوفيتش وشعبه الأعزل في مواجهة الغزو الصربي لا أمل له إلا في وجه الله ونصر من عنده.
من أهم مؤلفاته: “الإسلام بين الشرق والغرب”، و”الفرار إلى الحرية”، و”الأقلية الإسلامية في الدول الشيوعية”، نال علي عزت جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1993م، وتُوفِّي في التاسع عشر من أكتوبر عام 2003م عن عمر يناهز الثامنة والسبعين بعد جهاد وكفاح مرير.