المجتمع المُتنمِّر
المجتمع المُتنمِّر
ينتشر المتنمِّرون الذين يمارسون العنف والقمع ضد الآخرين في المجتمع اعتمادًا على سلطاتهم الممنوحة لهم في نطاق وظيفة مؤثرة ما، أو حتى عائليًّا نتيجة استنادهم إلى قيم ما، متغذِّين على الخوف والعجز لدى الأفراد، وهو بدرجة متساوية أو أكثر يخاف من الضحية، وتنعدم ثقته في نفسه وتتصاغر ذاته تدريجيًّا أمام عينه يومًا بعد يوم، ولذلك يلجأ إلى تقزيم الآخرين بأساليب القهر النفسي والجسدي، كي يرجع إحساس التميز إلى ذاته.
لدى المتنمِّرين قدرة على الالتفاف حول القوانين، فهي ترتبط برؤيتهم، وأحيانًا يتم استثناؤهم منها لقربهم من السلطة التي تطلق صلاحياتهم في الحياة العامة، ليستمر البطش خارج وظيفتهم، فالجميع يمارس ذلك ولكن بقدر استطاعته، يمكن قراءة المجتمع في ضوء ثنائية “الجلاد والضحية”، فالمراقبة وتنفيذ العنف هي مهمة موكولة للجميع.
وبسبب سيادة شعور الخوف، واستمرار تقلُّب الأيام وانقلاب الأوضاع والأدوار، فإن من لديهم القدرة الحالية يسارعون في تحقيق ومراكمة أكبر قدر من المكاسب في أقل وقت ممكن، وبالنسبة لباقي العاجزين عن المقاومة فيستسلمون ويحاولون بائسين أن يتقرَّبوا إلى السلطة، على أمل أن يأتي عليهم يوم ما ويكون دورهم في ممارسة التسلط.
يحاول الأفراد في مجتمع المقموعين التكيف مع الأساليب القهرية التي تمارس عليهم، ولتخفيف معاناتهم يسوِّغون الإهانات المستمرة التي يتلقونها، كي ينزعوا الشماتة من بين عيونهم، فهي تصرفات عادية الجميع يتلقونها وسيمارسونها يومًا ما على الآخرين، هذا يجعلهم في استعداد كامل للقمع.
الفكرة من كتاب حيونة الإنسان
اختلف الفلاسفة والمفكِّرون في تعريف الإنسان، فتارة هو حيوان ناطق، وأخرى هو حيوان له ذاكرة، وأحيانًا حيوان يميل إلى الاجتماع، بينما يرى الدين أنه مخلوق كرَّمه الله، له نزعات أو شهوات يشترك فيها مع الحيوان، وبنظرة بسيطة حولنا نجد أن عالم اليوم يتبع كل أساليب القهر النفسي والجسدي كي ينزل الإنسان إلى مرتبة الحيوان بالكلية.
عملية حيونة الإنسان تتم بالتدريج، وتتخذ من التعود داعمًا كبيرًا لها، فنحن نألف كل قبيح مهما كان ثم نتقبله لكي نتكيَّف ونبقى على قيد الحياة بشعور أقل بالألم، فما الذي يحمل الإنسان على ممارسة العدوان والظلم ضد إنسان آخر؟ أي ما سبب كل تلك المجازر والحروب التي أراقت العديد من الدماء؟ وكيف تنشأ الأنظمة الاستبدادية وتتغذَّى على ممارسة العنف والخوف لدى شعبها؟ وهل نحن بعيدون كما نتخيل عن عملية الحيونة أم من الممكن أن تصيبنا أيضًا؟ كل تلك الأسئلة نجد إجابتها في كتاب “حيونة الإنسان”.
مؤلف كتاب حيونة الإنسان
ممدوح عدوان: كاتب ومسرحي ومترجم وشاعر سوري، ولد في محافظة حماة عام 1941م، وسُمِّي “مدحت”، ولكن نُصِح والده بتغيير اسمه زعمًا بأنه تركي الأصل، وخوفًا من عداوة السوريين للأتراك في ذلك الوقت، فعرف بقية حياته بممدوح، التحق بجامعة دمشق لدراسة اللغة الإنجليزية بقسم الآداب، وعمل في نفس الفترة بصحيفة “الثورة”، ثم عمل لفترة في تدريس مادة الكتابة المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتوفي عام 2004م بعد صراع مع مرض السرطان.
تنوَّعت أعماله بين مقالات ومسرحيات مثل: “محاكمة الرجل الذي لم يحارب”، وكتب أشهرها: “تهويد المعرفة”، و”دفاعًا عن الجنون”، ودواوين شعرية مثل: “الظل الأخضر”، و”حياة متناثرة”، بينما اكتفى بروايتين فقط هما: “الأبتر”، و”أعدائي”.