المجتمع المسلم المتمدن
المجتمع المسلم المتمدن
لم يعد هناك تلك الملامح الاجتماعية الإيجابية التي شكلها الرسول (عليه الصلاة والسلام) منذ أول يومٍ بُعث فيه وما تبعه في عهود الصحابة والتابعين عندما قال رسول الله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وأصبحت الآن ظاهرة الحرية الشخصية هي المسيطرة بالكامل على تفكير المسلمين أو هكذا زُرعت في العقول، وتم تغليب الصفات الذميمة على القيم الحميدة وصارت القسوة والجفاء بديلًا عن الرحمة والإخاء وحلت الأثرة محل الإيثار وأصبحت مصطلحات مثل “الأخوة الإسلامية”، أو “الأخوة في الله” هي مصطلحات جافة ليس لها معنى في العقول ولا صدى في قلوب المسلمين، وحدث كل ذلك لما أغرقتهم المدنية الحديثة في السعي وراء أعباء الحياة ومحاولة الفرار من ضغوطات الواقع، بل تم تفريغ العقول من المضمون الإسلامي عن عمدٍ من المجتمعات الغربية وعن سذاجة وجهل ونقصٍ في الوعي من المسلمين، تلك هي سنة الطبيعة لا ينشأ فراغٌ إلا وأعقبه امتلاء، فلما أُفرغت العقول من القيم الإسلامية تم ملؤها بماديات الحضارة الغربية.
وتقوم طبيعة المجتمع المدني الحديث على العلاقات والروابط التي تعتمد على نحو أساسي على المصالح والمنافع الشخصية وحقوق الأفراد وواجباتهم والتركيز على حقوق الإنسان وحدها وجعلها محور الكون متغافلين عن حقوق الله، وذلك عكس الشكل القديم للمجتمع الإسلامي، فقد كان المسلمون يسكنون في مساحات صغيرة على هيئة كتل تسمح بالتآخي فيما بينهم والتعايش الاجتماعي السليم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومشاعر الخوف والحرص من المسلم على أخيه المسلم فانحسرت الجرائم وأمِنَ الناس.
كذلك كان الاقتصاد قديمًا أكثر ازدهارًا لوجود ظاهرة فريدة هي “الوقف الإسلامي” الذي مثَّل داعمًا قويًّا للفقراء، ويمكن محاولة الإصلاح الاقتصادي الآن من خلال زيادة أعداد المؤسسات الخيرية والمنظمات التطوعية اللاربحية.
لقد كان المسلمون يتشاركون حياتهم في المجتمع الإسلامي، لذا كانت المسؤولية الشخصية في أوجها، والكثير من الناس يغفلون حقيقة أن المجتمعات الغربية الحديثة خُلقت معادية للدين ومنكرة لوجود الله وبذلك هم وما يقرِّرون لأنفسهم من مناهج وقيم لا تتناسب مطلقًا مع قومٍ يؤمنون بالله وبرسوله، ويدفعهم ذلك الإيمان في حياتهم دفعًا نحو الحفاظ على ذلك المنهج القويم، بل والسعي في تطبيقه يبنون حضارتهم الحقيقية لا حضارة الغرب الزائفة!
الفكرة من كتاب محاصرة الشرور
يتناول الكاتب الشرور التي تحاصر المجتمع الإسلامي وتهدِّد ذاته وهوية أبنائه، وما فعلته الحضارة الغربية المادية بعقول المسلمين ويفصِّل الكاتب آثار تلك الحضارة في العالم الإسلامي اليوم، ويذكر ما يناسبنا وما لا يناسبنا ويرسم حلولًا لكل مواجهة من المواجهات التي يتعرَّض لها المجتمع، كما يولي التربية والتنشئة السليمة اهتمامًا شديدًا كمحور أساسي لأي تغيير.
مؤلف كتاب محاصرة الشرور
عبد الكريم بكار: مؤلف سوري، حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من قسم أصول اللغة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، تركَّزت مسيرته على تدريس اللغويات ومشتقاتها من أصوات لغوية ولهجات عربية ونحو وصرف وقراءات قرآنية.
يعدُّ أحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي، ويسعى إلى تقديم طرح جديد لمختلف القضايا ذات العلاقة بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة والعمل الدعوي، ومن أشهر كتبه: “مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي”، و”من أجل انطلاقة حضارية شاملة”، و”فصول في التفكير الموضوعي”.