المجاني قد يكون فخًّا!
المجاني قد يكون فخًّا!
الآن دعونا ننطلق إلى قوة جديدة من القوى الخفية التي تؤثر في قراراتنا وهي قوة السعر صفر، إذ يتضح أن الصفر ليس مجرد سعر، وإنما مثير عاطفي ومصدر لإثارة غير منطقية! فالشيء المجاني يسعدنا للغاية ونجده لا يُقاوم وجذابًا بشكل غير معقول، ولعلك تتذكر اصطفافك إحدى المرات في طابور طويل للحصول على كوب قهوة مجاني، أو شراء قطعة إضافية من شيء لتحصل على الشحن مجانًا رغم أن سعر القطعة أغلى من تكلفة الشحن، أو أنك اشتريت نسختين من منتج لتحصل على الثالث مجانًا، رغم أنك لست بحاجة إلى هذا كله. إذًا، هل توجد مشكلة في السعر صفر؟ لا مشكلة في الأشياء المجانية ما دامت منفردة، ولكن تبرز المشكلات عندما تُوضع في مقارنة مع أشياء أخرى
فتخيل معي أنك ذهبت لشراء قلمك المفضل ولكنك وجدت في المكتبة قلمًا آخر تشتري واحدًا منه وتأخذ الآخر مجانًا، وبمجرد أن تلوح كلمة مجانًا في الآفاق تنقلب الأمور رأسًا على عقب، وتترك قلمك المفضل وتخرج من المكتبة بقلم لا يعجبك، ولكن يا سعدك بقلم مجاني! ولعلك تتساءل عن السبب وراء القوة الخارقة للمجاني، وهي أن المجاني يغريك بأنك لن تخسر شيئًا إذا جربته، ولأننا نخاف جدًّا من الخسارة يبدو المجاني اختيارًا مثاليًّا ومريحًا.
ولكن على الجانب الآخر ومن النقاط المضيئة للمجاني أنه يجعلنا أقل أنانية وأكثر تفكيرًا واهتمامًا بالآخرين. فإذا وجدت صندوقًا ممتلئًا بالشوكولاتة المجانية فلن تحمل الصندوق كاملًا وتذهب، وإنما تأخذ قطعة أو قطعتين وتضع في حسبانك حق الآخرين في الحصول على الشوكولاتة، ولكن ماذا لو كانت الشوكولاتة على الرف وتشتريها بمالك؟ لن تشعر وقتها بأي حرج لو حملتها كلها وتركت الرف فارغًا لأنك دفعت مقابلها، وهذا هو الفارق بين المجاني والمدفوع، إننا نفكر في الآخرين وفي العواقب الاجتماعية لأفعالنا عندما يغيب المال عن المشهد. وأريد أن أخبرك كذلك بأن الأمر لا يتوقف عند الشوكولاتة، وإنما تمتد صوره إلى كثير من جوانب الحياة، فمثلًا عند فرض عقوبات مالية على ممارسات معينة، يصبح من السهل على الناس فعل هذه الممارسات ما داموا سيدفعون مقابل ذلك، وسينتهي الأمر كأن تحديد السعر يقلل من المسؤولية الاجتماعية ويشعر الشخص بالأحقية ما دام قد دفع مقابل فعله.
الفكرة من كتاب توقع لا عقلاني.. القوى الخفية التي تشكل قراراتنا
هل فكرت من قبل لماذا تقرر البدء في حمية غذائية ثم بعد يومين تنهار قواك أمام وجبة شهية؟ ولماذا تتسم أفكارك بالعقلانية ما دمت هادئًا وجالسًا في مكانك، بينما مع أول انفعال تفقد عقلانيتك وتتصرف بطرق لا تتوقعها؟ أو هل فكرت في قدرة المنتجات المجانية على جذبك وعلو المنتجات الباهظة الثمن في نظرك؟ حسنًا، عندي لك سؤال أخير، هل خطر ببالك كيف تؤثر الاختيارات المتعددة والتوقعات المختلفة في قراراتنا؟ سواء فكرت بذلك كله أم لم تفكر فأنا على ثقة بأنك ستنظر إلى هذا كله بشكل جديد ومختلف تمامًا بعد أن تتعرف معي أفكار هذا الكتاب وإجاباته.
مؤلف كتاب توقع لا عقلاني.. القوى الخفية التي تشكل قراراتنا
دان آریلي: أستاذ علم النفس والاقتصاد السلوكي في جامعة ديوك وحاصل على درجة الدكتوراه في كل من علم النفس المعرفي وإدارة الأعمال. نشرت أعماله في العديد من المجلات العلمية البارزة والمؤسسات الإعلامية الشهيرة مثل: New York Times وWashington Post وScientific American وScience. ومن مؤلفاته:
The (Honest) Truth About Dishonesty: How We Lie to Everyone – Especially Ourselves
The Upside of Irrationality: The Unexpected Benefits of Defying Logic
Misbelief: What Makes Rational People Believe Irrational Things