المثالية عدوّ الحل الجيد
المثالية عدوّ الحل الجيد
بعد الانتهاء من أي عمل، لا بد أنك تتساءل إذا كان جيدًا بما يكفي، وقد ينتهي بك الأمر إلى المبالغة في التفكير بلا نتيجة، هل تواصل التحسين أم تتوقف؟ في الواقع هذا السؤال يشغل تفكير علماء الحاسب باستمرار خلال تصميم النماذج الإحصائية في مجال تعلم الآلة، حتى إنه أصبح ممارسة معروفة باسم المطابقة الزائدة Overfitting، ما يعنيه هذا المصطلح أن النموذج الإحصائي أصبح يطابق البيانات التي تم تدريبه عليها بشكل مبالغ، ومن ثَمْ فهو يفشل في استيعاب أي بيانات أخرى من الواقع نتيجة لكثرة التعقيد وقلة المرونة به، وعلى الجانب الآخر إذا كان النموذج بسيطًا فإنه يفشل في تمثيل أهم السمات المميزة للبيانات؛ الحل يكمن في الوصول إلى نموذج مناسب من دون تعقيد، لذا تستخدم وسائل متنوعة لتقليل عدد الجوانب التي يعتمد عليها النموذج مع إجراء اختبارات عديدة للتأكد من ملاءمتها، ويطبق العلماء فكرة التنظيم Regularization التي تقلل من أهمية بعض السمات في البيانات، تماثل الفكرة طريقة عمل المخ لتقليل عدد الخلايا العصبية التي ترسل إشارات كهربية من أجل الحفاظ على طاقته. وفي الحياة تتحقق هذه الظاهرة بكثرة عندما يحتوي الأمر تدريبًا مكثفًا، فمثلًا يفشل بعض الشرطيين في المواجهات الواقعية بسبب اختلافها عن بيئة التدريب المألوفة بالنسبة إليهم، جوهر هذه المشكلة أنه يحول الاهتمام من الهدف الأساسي إلى نسخة محدودة منه.
في المسألة السابقة، كان السؤال عن مدى ملاءمة الحل، ومع أننا كنا نحاول الاقتراب من النموذج الأفضل فحسب، أحيانًا لا يتوافر هذا الخيار أساسًا؛ بعض المشكلات في العالم لا نملك لها إجابة، ومؤخرًا تبين أن 84% من المسائل مستعصية على الحل، بينما 9% فقط نمتلك لها حلولًا، و7% حالتها غير محددة. تكون المسألة قابلة للحل عندما توجد خوارزمية يمكنها أن تصل إلى أفضل نتيجة في وقت Polynomial مثل (n^3)،(n^2)…، وعندما تتطلب الخوارزمية وقتًا أكثر من ذلك فإن العلماء قد يلجؤون إلى تطبيق مبدأ الاسترخاء على المسألة، بمعنى إزالة بعض القيود التي تصعب الأمر، مثال على هذا The Salesman Problem؛ المشكلة هنا هي تصميم خوارزمية تصل إلى أفضل مسار يمكن أن يسلكه مندوب المبيعات عبر عدة مدن بحيث لا يمر بمدينة مرتين وينفق أقل قدر من المال، لحل هذه المسألة كما هي فإننا نحتاج إلى وقت مقداره المضروب الرياضي لعدد المدن !n لحساب كل المسارات المتاحة وهو أمر غير ممكن في الأرقام الضخمة، أما عندما نتخلى عن شرط زيارة أي مدينة مرتين يصبح من الممكن الوصول إلى أكثر الحلول قربًا للحل الأفضل، ليس سيئًا!
الفكرة من كتاب خوارزميات للعيش وفقًا لها: العلوم الحاسوبية للقرارات البشرية
يتخيل أغلب الناس أن الحواسيب الآلية هي آلات تؤدي بعض المهام عن طريق إجراء حسابات لا نهائية كما يوحي الاسم، ولكن علماء الحاسب سيخبرونك بقصة مختلفة كثيرًا.
فعلى سبيل المثال تتصف البرامج الحاسوبية بالكفاءة عندما تقوم بأقل عدد ممكن من العمليات الحسابية، وعند تصميم الخوارزميات تتم الاستعانة بعلوم الرياضيات والإحصاء لتصميم نماذج يمكنها حل المشكلات والاستفادة المثلى من الموارد المحدودة للحاسب، التي تتمثل في الوقت المستغرق في العمليات الحسابية، والمساحة المتاحة لتخزين البيانات المطلوبة.
وبإلقاء نظرة سريعة على أغلب المشكلات التي تواجه الأفراد في المجتمع، يمكننا تصنيفها إلى نوعين: الأول يختص بعلاقة الإنسان بنفسه وعناصر الطبيعة من حوله، والآخر ينشأ من ديناميكية العلاقة بين الإنسان والمجتمع، وتتشارك هذه المشكلات في أنها غالبًا ما تظهر نتيجة لطبيعة الوقت والمكان المحدودة، وبهذا يتبين أن الإنسان والحاسب عليهما مواجهة المعوقات والقيود نفسها التي تجعل اتخاذ القرارات السليمة أمورًا في غاية الصعوبة والتعقيد، وبخاصة عندما لا يتوافر القدر الكافي من المعطيات وتصبح الغاية هي محاولة الاقتراب من الحل الصحيح قدر الإمكان.
مؤلف كتاب خوارزميات للعيش وفقًا لها: العلوم الحاسوبية للقرارات البشرية
برايان كريستيان: هو كاتب وشاعر وباحث في علوم الحاسب، حصل برايان على البكالوريوس في مجالات الحوسبة والفلسفة من جامعة “براون”، وهو مؤلف الكتب: “The Most Human Human”، و”The Alignment Problem” التي تبحث في العلاقات بين الإنسان والآلة.
توم جريفيث: هو بروفيسور ورئيس معهد علوم المخ والإدراك في بيركلي، عمل مدرسًا مساعدًا بقسم علم النفس والعلوم المعرفية بجامعة “براون”. حصل “جريفيث” على الماجستير والدكتوراه من جامعة ستانفورد، ويدور عمله حول استخدام أساليب تعلم الآلة في دراسة المهارات الذهنية لدى الإنسان مثل التعلم والذاكرة وغيرها.
معلومات عن المترجم:
د. إيهاب عبد الرحيم علي: طبيب وكاتب ومترجم علمي مصري حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة أسيوط، عمل طبيبًا في وزارة الصحة المصرية ورئيس قسم التأليف والترجمة في مركز تعريب العلوم الصحية بالكويت.