المتلاعبون بالثقافات
المتلاعبون بالثقافات
جاء المستعمر وذهب وترك الثقافات الأجنبية الغريبة بين المسلمين وفي عقولهم، بل وزاد غرسها بسبب الدراسة في الخارج والابتعاث أو بمجرد القراءة والاستمتاع بالثقافات والآداب الغربية، وتسبَّب ذلك في حدوث انشقاق في الشخصية العربية الإسلامية، فاللغة هي العربية والدين هو الإسلام لكن ما يبدو هو عكس ذلك تمامًا، كما حدث انكسار نفسي وشعور بالهزيمة الدائمة لأن الإنسان المسلم كلما رفع رأسه لينظر وجد فروقًا ضخمة مادية وصناعية فتلحقه الخيبة تلو الأخرى ويعظم في قلبه المنتج الحضاري الغربي، وبذلك تَكوَّن في المجتمع الإسلامي فريقان متضادان؛ فريقٌ دائم الترويج للأفكار الإلحادية (المنتصرة عليه) تشكِّك في الإله وفي النبوة، وبالطبع تم تمكينه من الغرب ليبرز أفكاره في وسائل الإعلام، والفريق المضاد هو الفريق الذي يتصدَّى ببيان الحق والرد على شبهات الفريق الأول.
الفريق الأول يدعو إلى اللحاق بركب الحضارة الغربية؛ حضارة العلم والتقدم والتكنولوجيا والتفريط في تلك المبادئ الإسلامية الجامدة التي تعوق النهضة والتقدم، ويصف الكاتب محاولاتهم بأنهم يريدون تحطيم كل البنيات الثقافية والاجتماعية التي غرسها الإسلام لتهيئة التربة للغرس الغربي، والأمر الذي لا يدركه هؤلاء أن المنتج الحضاري الغربي الذي يروِّجون له لا يتسم أبدًا بالثبات والاستقرار، بل هو دائم التغيير من نظام سياسي إلى آخر ومن نظام اقتصادي إلى آخر، لأن كل تلك الأنظمة من صُنع البشر فتنجح تارة وتفشل أخرى.
لعل الذي أسهم في نشأة ذلك الفريق من المنبهرين بالغرب لدرجة تشويه حضارتنا هو أنه مع انبهارهم غضُّوا الطرف عن الحضارة الإسلامية وما وصلت إليه عندما كان يحكم الإسلام العالم، فأرجعوا ذلك الركود والتخلف إلى المبادئ والأسس والعقيدة الإسلامية أو كما تم خداعهم بذلك، فعرفوا أن الحل لن يكون إلا بالبحث عن المبادئ التي تَطوَّر الغرب بها.
وبدورها؛ تستغل الدول المتقدمة ذلك الشقاق النفسي في الأمة الإسلامية بزيادة المد في الثقافة والأفكار والماديات الحضارية في المجتمع الإسلامي لإحكام السيطرة أكثر وأكثر وبسط نفوذها الداخلي بالعبث بثقافات الآخرين كأنهما متنافسان أضعفَ أحدهما الآخر فلا حاجة إلى قتاله لأن قوته زادت بذلك الضعف.
الفكرة من كتاب نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي
يُعرَّف المجتمع على أنه ليس مجرد مكان يتعايش فيه الناس، وإنما هو علاقات تجمعهم وروابط تشملهم وتوجُّهات مشتركة وهموم يهتمُّون بها وانتصارات ترقى بهم كلهم وهزائم يعانون مرارتها معًا أيضًا..
يحدثنا الكاتب عن المجتمع الإسلامي والطبقات التي كوَّنته عبر العصور، والتحديات التي واجهته حتى أضعفته ومزَّقت أواصر اتحاده وجعلت أبناء الأمة متفرقين فُرادى حتى وقعوا في قبضة المستعمرين، موضحًا سمات ذلك التخلف الذي حلَّ بالحضارة الإسلامية نفسيًّا وماديًّا، وكيف أثر ذلك في نواحي الحياة المختلفة.
مؤلف كتاب نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي
عبد الكريم بكار: مؤلف سوري ولد عام ١٩٥١، حصل على درجة الماچستير من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ثم درجة الدكتوراه من الكلية نفسها، تدرَّج أكاديميًّا كمحاضر في الجامعات السعودية، له العديد من المؤلفات الإسلامية في مجالات التربية والفكر والتأصيل، أشهرها: “من أجل شباب جديد”، و”العولمة” و”العيش في الزمان الصعب” و”تجديد الوعي”.