المازني صاحب المزاج.. مع العقاد في عزلته
المازني صاحب المزاج.. مع العقاد في عزلته
عاد العقاد إلى القاهرة، يتلمس طريقه مرة أخرى، ويبدأ من أي موضع يجد فيه البداية، فلما لم يجدها في الصحافة، بحث عنها في التدريس، ورافق صديقه المازني في المدارس الثانوية لبعض الوقت، ولا ضرر في التسلل إلى أعمدة الصحف من حين إلى آخر، وصداقة المازني والعقاد هي مثال جيد على تجاذب الأقطاب المتضادة، فأحدهما قلمه سليط، تكاد تظن هزله جدًّا، أما المازني، فكانت فكاهته تحمل في باطنها الحب أكثر من السخرية، حتى سخريته لا تشعر فيها بتلك النكاية التي تجعلها ذمًّا مُتوشحًا بالصداقة، ورغم صفة اللا مبالاة التي اشتهر بها، فهي لم تنتج من فلسفة عدمية أو نظرة سوداوية للعالم، بل هي في الحقيقة زخم في العواطف وإفراط في الشعور، وغضب ناحية الواقع، لقد كان المازني باحثًا عن الكمال يُقدس المثل العليا؛ كان يسخر من هذا الحال وهو بداخله مُشفق عليه، لكن جرب واسخر أنت من مُقدساته، سيخرج المازني الجاد الذي لا يعرفه أحد سوى أصدقائه، فلم يكن يقصد بهذه السخرية سوى المواساة، وإن كان هو نفسه موضع هذه السخرية.
وعلى هذا لم يكن العقاد كثير الأصدقاء، بل حُببت إليه العزلة حتى زهد جميع الناس، فلم يكن يعبأ بلقاء الزعماء المشهورين، ومن ذلك فقد كان مُقدرًا ومُجلًّا للفيلسوف الهندي غاندي، حتى عطف هذا الأخير إلى مصر في أثناء رحلته إلى بريطانيا، وكلفت إحدى الجرائد العقادَ بمحاورة الرجل ورفقته، فلم ينشط لهذه الدعوة، وهي هبة أخرى طبعته أسوان عليها، لكنه كان كثير المشاكسة، صريح النقد، عنيف الرد، يحفزه القلم، ويستثيره قدر منافسه، فقد وصف الأستاذ “طه حسين” بضعف الخيال، لأنه لا يكتب إلا عما اختبره وعاينه وقرأ عنه، فلا يتخيل أحداثًا وماضيًا لشخصياته، بل تظل على ذلك القدر الذي عرفها به صاحبها، على هذا النمط كانت نظرة العقاد إلى من عرفهم نظرة فاحصة، فيها كثير من الجرأة مع القليل من التنازل.
الفكرة من كتاب حياة قلم
في أسوان، يرى خلفه جبال النوبة شامخة، ترفع أعلام الماضي وترفض أن تتقاصر للبساط المحيط بها، وأمامه الوادي يشق جبهة الهضبة الحجرية، وينحر الصحراء لينعم على هذا القطر بالزرع والرفاه، فماذا يبقى لمصر إذا ذهبت أسوان وذهب نيلها؟
كان عصر العقاد مليئًا بالأفذاذ في كل فن، وليس من السهل على فتًى قادم من أقصى الصعيد أن يتميز قلمه بين هؤلاء الكبار، لكنه ومنذ البداية لم يكن يعبأ بالأنداد، ويعطيه قلمه وحدسه الثقة الكبيرة بما يُقدم وما يفعل، حتى انتزع لنفسه منزلة بين الأعلام. في هذه السيرة الذاتية، يهتم العقاد بأن يعرض لنا سيرته الصحفية والأدبية، منذ إنشائه مجلته الخاصة في الابتدائية، حتى توليه قلم الأدب في جريدة “المؤيد”، يقص علينا جولاته في عديد الوظائف التي شغلها، وصولاته مع عديد الشخصيات التي عاصرها، وفي النهاية نتعرف شيئًا من فلسفته وآرائه في قضايا السياسة والأدب.
مؤلف كتاب حياة قلم
عباس محمود العقاد: وُلد في أسوان عام 1889م، ونشأ في أسرة فقيرة، فلم يتعد في تعليمه المرحلة الابتدائية، ولكنه اعتمد على ذكائه في تكوين ثقافة موسوعية، وتعلم اللغة الإنجليزية في طفولته من مخالطته الأجانب الزائرين لأسوان.
اشتغل بالسياسة في فترة من حياته وانتُخِبَ نائبًا للبرلمان، وسُجِنَ تسعة أشهر بتهمة “العيب في الذات الملكية”، عُرفت عنه معاركه الأدبية مع كبار مفكري عصره، كالرافعي وطه حسين، وأسس مع عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري “مدرسة الديوان” الشعرية.
وللعقاد عديد من المؤلفات والدواوين الشعرية نذكر أهمها:
سلسلة العبقريات.
كتاب “ساعات بين الكتب”.
كتاب “التفكير فريضة إسلامية”.
ديوان “أعاصير مغرب”.
ديوان “عابر سبيل”.