الماركات والعلامات التجارية
الماركات والعلامات التجارية
كان مجال الترف الفرنسي الخاص بالعطور ومنتجات العناية ومستحضرات التجميل هو المسيطر في العالم كله، ونتيجة الأرباح الخيالية التي كانت تحقِّقها الماركات الفخمة الفرنسية، فقد جذبت إلى هذا القطاع العديد من المجموعات الكبرى التي أغرتها تلك الأرباح، واشتدَّت المنافسة العالمية، وأصبح الترف غير موجَّه إلى الزبائن الأثرياء وحسب، بل إلى الطبقات المتوسطة وأي مستهلك يرغب في الوصول إليه، فتم بذلك دمقرطة الترف، وأصبحت هناك ماركات للعامة وماركات فخمة للأثرياء، حيث يُبنى القطاع الآن كسوق (هرمي، واختلافي، ومتنوع)، فصار مجال الترف -كما ترى إلييت- تعدُّديًّا، وانفجر الترف بحيث لم يعد هناك ترف واحد ولكنه ترف متعدِّد ومتوجِّه إلى أناس مختلفين.
كما أصبحت المنتجات في عصر الحداثة تتصف بالتقادم المستمر المتعمد، فبنزول المنتج الجديد إلى السوق يطرد على الفور المنتج السابق عليه، كما أصبحت الماركة هي الدال الحقيقي على “الهوية” وتفوَّقت بذلك على المنتج نفسه، فلم يعد المنتج -حسب إلييت- سوى وسيلة للوصول إلى الماركة وعرضها الاجتماعي، حيث يكفي أن يكون على المنتج شعار الماركة؛ فظهور شعار الماركة على التيشيرت أهم من التيشيرت نفسه وجودة خامته!
إن الشغف باستهلاك السلع الفخمة راجع إلى الرغبة في الظهور شابًّا أكثر من الرغبة في الظهور بمظهر الأغنياء، نحن نلعب لعبة الظهور والمظاهر، فلم تعد الثياب تبلور رغبات تأكيد الذات اجتماعيًّا كما كانت في السابق، حيث أصبح اعتناء المرء بنفسه، والمحافظة على لياقته، والبقاء شابًّا أهم من الملابس، لذلك نجد المجتمعات التي تُبنى على منطق الإغراء، والموضة تفقد الملابس أهميتها لصالح الجسد العاري الذي أصبح مقدَّسًا، فخزانة الملابس النسائية أضحت تنفر من الملابس الكبيرة لصالح التنانير والملابس القصيرة الصغيرة!
إن تقديس وتجميل الجسد – كما ترى إلييت- أصبحا محوريَّين، إلى جانب الأمرين الملازمين لهما، مكافحة الوزن الزائد والشيخوخة، فعمليات التجميل صارت أمرًا مألوفًا وفي ازدياد مستمر، وهذا راجع إلى تقديس أن يكون الجسد جميلًا وشابًّا ورشيقًا، ولم تعد العناية بالجسد والقيام بعمليات التجميل قصرًا على النساء، فقد أصبح الرجال أيضًا يقومون بعمليات التجميل، وعمليات زراعة الشعر، وإعادة الشباب إلى الجفون وشفط الدهون، ومع الوقت أصبح الرجال يهتمون أكثر فأكثر بأجسادهم، إذ إن نظام ما بعد الحداثة صار يحتفل بزفاف الترف الذاتي والفردانية!
الفكرة من كتاب الترف الخالد.. من عصر المقدس إلى زمن الماركات
شهد الاقتصاد خلال الفترة الأخيرة توسعًا كبيرًا لسوق الترف، والذي قُدِّر عام 2000 بحوالي 90 مليار يورو، فبعد أن كانت المنتجات الفاخرة مقصورة سابقًا على الفئة البرجوازية رفيعة المقام، نزلت تدريجيًّا إلى الشارع، وأصبحت في متناول الجميع، وصار الهدف الرئيس للمجموعات الكبرى فتح الترف في وجه أكبر عدد ممكن من الناس، وتولَّدت علاقة بين الإنسان المعاصر والمنتجات الباهظة، وصارت الماركة على الملابس أهم من المنتج نفسه!
مؤلف كتاب الترف الخالد.. من عصر المقدس إلى زمن الماركات
جيل ليبوفتسكي ، فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، له عدد من الدراسات والبحوث في نقد الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة والرأسمالية النيوليبرالية، وتفكيك بِنى المجتمعات الاستهلاكية، له مؤلفات عديدة، منها: “مملكة الموضة”، و”المرأة الثالثة”، و”الترف الخالد”، و”الشاشة العالمية”، وأفول الواجب”.
إلييت رو أستاذة بكلية IAE للأعمال في جامعة بول سيزان بفرنسا، وباحثة متخصِّصة في العلامات التجارية، لها أكثر من 60 مقالة علمية عن الثقافات والنجاح وإدارة العلامات التجارية الفاخرة.