المؤلفون والكتب والمترجمون
المؤلفون والكتب والمترجمون
سُخِّرت الترجمة في عصر محمد علي لخدمة المنشآت الحديثة التي أسَّسها، فنجد كتبًا مترجمة في الطب البشري، والعلوم الحربية والبحرية والاجتماعية، وكانت الكتب الأولى التي تُرجِمت نُقلت عن اللغة الإيطالية، ثم أصبحت الترجمة في معظمها عن اللغة الفرنسية، والفن الوحيد الذي نقلت بعض كتبه وتعليماته عن الإنجليزية هو قوانين وتعاليم الأسطول المصري، بسبب كون إنجلترا سابقة في هذا الفن، وكانت الترجمة عن هذه اللغات كلها إلى اللغتين التركية والعربية، فتُرجِمت الكتب الحربية إلى اللغة التركية لأن معظم طلاب المدارس الحربية في البداية كانوا من أبناء المماليك والأتراك، وترُجِمت بعض الكتب في التاريخ والسيرة إلى اللغة التركية تلبيةً لرغبة محمد علي، ليطَّلع عليها هو، أما بقية الكتب في الفنون والعلوم الأخرى فقد تُرجِمت إلى اللغة العربية لأن تلاميذ المدارس المدنية كلهم كانوا مصريين.
واستورد محمد علي كتبًا كثيرةً من تركيا، وأصبح شغله الشاغل جمع الكتب من كل مكان في العالم، وأرسل سنة 1224هجرية عثمان نور الدين أول مبعوث مصري إلى أوروبا لتلقي العلم في إيطاليا، وظل يتنقل بينها وبين فرنسا وإنجلترا مدة ثماني سنوات، وقبل عودته أمره محمد علي بشراء كتب في مختلف العلوم والفنون السياسية لحسابه، هذا وقد كان لكل مدرسة مكتبة كبيرة، تضم أحدث الكتب الأوروبية، لكن مع الأسف لم يراعِ المترجمون أن يذكروا دائمًا اسم المؤلف، بل كان المترجم يكتفي أن يذكر أن الكتاب ترجم عن الفرنسية مثلًا، وكان لا يذكر أيضًا أسماء الكتب بلغاتها الأصلية.
وفي أثناء تكوين محمد علي لجيشه الجديد، وعدم وجود من يستطيع الترجمة، استعان بالسوريين إلى أن يتم إنشاء المدارس الجديدة، وكانوا قليلي العدد، ومحدودي المعرفة، واقتصرت جهودهم على ترجمة الكتب الطبية، وبعد انتهاء طلاب هذه المدارس من التدريس، استغنى بهم محمد علي عن الأستاذة الأوروبيين، ووضع محمد علي قانونًا عرفيًّا على كل عائد من أوروبا، ذلك بأن يترجم كل فرد كتابًا في فنه الذي تخصَّص فيه، وكانت أكثر البعثات نشاطًا هي بعثات الأطباء والمهندسين، إذ إن معظمهم تم تعيينهم بعد عودتهم مدرسين ومساعدي مدرسين في مدرستي الطب والهندسة، ومن أشهر أعضاء بعثة فرنسا لدراسة الطب، وكان له جهد كبير في الترجمة بعد عودته الدكتور علي هيبة.
الفكرة من كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
لعبَت الترجمة دورًا مهمًّا في بناء الدولة المصرية الحديثة؛ إذ أدرك “محمد علي باشا” أنه لا يمكن النهوضُ بالدولة دون التعرُّف على مُنجَزات الحضارات الأخرى، والاستفادةِ مما أحرزَته في مضمار التقدُّم والرُّقي؛ لذا اهتمَّ «محمد علي باشا» بالترجمة، واعتبرها ركيزةً أساسيةً لبناء دولته، ومن خلال صفحات هذا الكتاب ستتعرَّف إلى أي الدول الأوروبية اتجه محمد علي عند النقل؟ ومتى بدأ سياسته الإصلاحية، وما أغراض بعثاته العلمية؟ كما ستجد أيضًا تتبُّعًا تفصيليًّا لحركة الترجمة في هذا العصر، بدايةً من إعداد المترجمين، وانتهاءً بمرحلة الطباعة والنشر.
مؤلف كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
جمال الدين الشيال: مؤرخ مصري، ورائدٌ مِن روَّادِ الدراساتِ التاريخية، وعَلَمٌ من أَعْلامِ الفِكرِ العربي، حصل على الدكتوراه في التاريخ من كلية الآداب، وعُيِّن أستاذًا للتاريخ الإسلامي المساعد بجامعة فاروق الأول، وترَكَ لنا الشيالُ العديدَ مِنَ المُؤلَّفاتِ والأبحاثِ والدراساتِ المهمَّة، مِنْها:
تاريخ دمياط.
تاريخ الإسكندرية في العصر الإسلامي.
مجموعة الوثائق الفاطمية.
مصر والشام.