الليبرالية الجديدة
الليبرالية الجديدة
على مدى حِقب التاريخ المختلفة استطاعت الرأسمالية أن تتكيَّف مع الأزمات الاقتصادية التي مثَّلت منعطفات تاريخية مؤلمة عبر وجهها القاسي المتمثِّل في ظاهرة الانتخاب الطبيعي وتقرر بقاء القوي وذَهاب الضعيف، وفي العصر الحديث تشكَّل ما يعرف بالليبرالية الحديثة، وهي تعد القناع المعاصر للرأسمالية الذي تمثل في خلق مجموعة من الشركات الكبرى للسيطرة على مفاصل النظام الاقتصادي العالمي، وتمثل في الوقت ذاته مخالب قوى الإمبريالية المعاصرة لافتراس مقدرات الشعوب والدول والسطو على منابع ثرواتهم.
لم يقتصر نفوذ تلك الشركات على الاقتصاد فقط، بل امتد أيضًا إلى النظام الاجتماعي بهدف تشكيل العقول وتطويع العادات الاستهلاكية لتناسب مصالح القادة الجدد لعرش الاقتصاد العالمي، وعن طريق سيطرتها على الإعلام شنَّت العديد من الحملات الدعائية الموجهة لتشكيل العقل الجمعي للشعوب، وعبر الاستتار خلف دعاوى حرية الأسواق ومحاربة البيروقراطية وتشجيع الاستثمار عملت تلك الشركات على تفكيك المنظومة الثقافية والفلكلور الشعبي الموروث ونقل النمط الاستهلاكي المحلي لنظيره الغربي عبر خلق عادات استهلاكية جديدة، بالإضافة إلى خفض الضرائب عن الأغنياء وتفكيك شبكات الأمان الاجتماعي للفقراء.
بالطبع كان لكل تلك الممارسات آثارها السيئة في المجتمع بدايةً من خلخلة المعادلات الاجتماعية ومرورًا بتغييب الوعي العام وانتهاءً بتردي الأوضاع الاقتصادية، حيث شهد العالم في السنوات الأخيرة ارتفاع معدلات الفقر والحرمان والبؤس وشيوع قيم عدم المساواة المجتمعية، لا سيما مع انتشار الكراهية والحقد الطبقي وزيادة معدلات الجريمة، بالإضافة إلى الانتهاك الصارخ للنظام البيولوجي للأرض وارتفاع معدلات التلوث، على النقيض تمامًا نجد ارتفاع معدلات الرفاهية لدى الأغنياء وزيادة ثرواتهم بصورة فلكية جراء الأرباح التي يحصلون عليها من الاستغلال البشع للعمال في ظل الليبرالية الجديدة، ولذلك ليس من المستغرب أن يكونوا أشد المدافعين عن النظام الاقتصادي القائم، ومواجهة أي تغيير قد يطال تلك المنظومة الربحية القائمة.
الفكرة من كتاب الربح فوق الشعب
يستعرض هذا الكتاب جذور الرأسمالية والنظام العالمي الجديد، ويتناول الوجه المتوحش الجديد للرأسمالية المعاصرة وقادتها الجدد من الشركات الكبرى، كما يتعرض لهذا الزواج الكاثوليكي بين السياسة ورأس المال والأساليب المستخدمة لترويض الشعوب والسيطرة على الدول وفق أجندتهم الخاصة.
مؤلف كتاب الربح فوق الشعب
أفرام نعوم تُشُومِسْكِي: فيلسوف أمريكي، ولد في 7 ديسمبر 1928 فيلادلفيا، بنسلفانيا، تخرج تشومسكي في جامعة بنسلفانيا وحصل على درجة البكالوريوس في عام 1949 والماجستير في عام 1951، ومُنح درجة الدكتوراه في اللغويات من جامعة بنسلفانيا في عام 1955، وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي عمل فيها لأكثر من 50 عامًا، بالإضافة إلى عضويته في كثير من الأكاديميات العلمية المرموقة كالأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، والأكاديمية الوطنية للعلوم والجمعية الأمريكية للفلسفة وغيرها، كما حصل على العديد من الجوائز، ففي فبراير 2008 حصل على الميدالية الرئاسية من جمعية الأدب والمناظرات في الجامعة الوطنية في أيرلندا في غالواي، وعلى جائزة إريك فروم عام 2010 في شتوتغارت في ألمانيا.
له مجموعة من المؤلفات أبرزها: “ماذا يريد العم سام” و”الدول الفاشلة – إساءة استخدام القوة والتعدي على الديمقراطية”، و”قراصنة وأباطرة – الإرهاب الدولي في العالم الحقيقي” و”النظام العالمي القديم والجديد”.