اللوم وأسبابه
اللوم وأسبابه
للوم تاريخ طويل في تفسير المصائب التي تقع على كاهل الإنسان، ففي عصور أوروبا الوسطى كان يقع كامل اللوم على الساحرات، إذ كان يتم اعتبارهُن أساس كل الشرور التي تحدث، ولذا تمَّت مطاردة الساحرات بشكل واسع وقتلهُن، وينشأ اللوم إن استطعنا إقناع أنفسنا أو الآخرين أن هناك سببًا كافيًا لذلك، مثلما استطاع الحكام ورجال الدين إقناع عامة الشعب بخطر الساحرات في العصور الوسطى، كما أن النجاح الاقتصادي لجامعة أو طائفة ما في إحدى الدول يجعلها أكثر عرضة للوم والاضطهاد.
واللوم له العديد من الأسباب التي نمارسها دون أن ندري، ومن هذه الأسباب كبش الفداء، حيث يقوم شخص بتحميل غيره مسؤولية أفعاله، وبِواسطَته يُحرِّر الناس أنفسهم من الذنب، ويلقون باللوم على شخص آخر بريء، فتجد الأمم تتهم أممًا أخرى أنها سبب مشاكلها، كما تُوجِد الحكومات أكباش الفداء بغية تشتيت انتباه الرأي العام عن عيوب سياستها وأخطائها.
ومن أسباب اللوم أيضًا الوصم، ونشأت الوصمات من الممارسات اليونانية القديمة، وتتم عن طريق تثبيت علامات جسدية تنتج من حرقٍ على أجساد الأشخاص، وكانت الوصمات بمثابة إشارة واضحة دائمة إلى الوضع المتدني والنبذ الاجتماعي، وهناك أشخاص تكون وصمتهم في اختلافهم أو إعاقاتهم، وهو أمر يصعب عليهم التخلُّص منه لأنه طبيعتهم، وبالتالي يكونون الضحايا الأمثل لإلقاء اللوم عليهم.
ومن صور اللوم أيضًا أخطاء الإسناد الأساسية، التي نرتكبها حيث نعزو سبب فشلنا إلى (أنت، هم، رداءة أحوال الطقس، سوء الحظ)، ونسند نجاحاتنا إلى أسباب داخلية (مهاراتي، قدراتي، شخصيتي)، وبناءً على ذلك فنحن نلوم بصورتين: الأولى هي عندما نكون نحن الجناة، والثانية عندما نكون نحن الضحايا فنشكو من ظلم وجور الآخرين، بيد أن بعض انحيازات الإسناد تتخلَّل حالات اللوم، كأن نقوم بإلقاء اللوم على ضحايا الاغتصاب مُعلِّلين ذلك بأنهم هم من جلبوا ذلك لأنفسهم، متناسين أنه لا ينبغي لوم المرأة بتاتًا على اغتصابها، وعلى سوء استخدام القوة الذي تسبَّب بذلك.
الفكرة من كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
عندما يحدث خطأ ما في حياتنا يكون رد فعلنا الأول والطبيعي هو البحث عن شخص نُلقي عليه اللوم، إذ يُشكِّل اللوم جزءًا كبيرًا من حياتنا، فهو وسيلة لتحديد موقفنا، كما يتشكَّل كثير من فهمنا للوم من الأخبار، لأنه هو ما يصنع الأخبار، ويُتيح ترويجها وبيعها، واللوم مهم لأنه على ما يبدو يفسر بعض الأمور مثل “لماذا هناك بطالة؟”، فتكون الإجابة: “خطأ الحكومة التي جعلت الأجانب يُسيطرون على الوظائف”، إذًا اللوم هو وسيلة سريعة لإيصال المقصود عندما نَشعر بتهديد ما، وهو لغة الاتهام والدفاع عن النفس، لكن لماذا اكتسب اللوم هذا القدر من الأهمية في العديد من المجالات؟ وما عواقبه؟ هذا ما سنتعرَّف عليه في السطور القادمة.
مؤلف كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
ستيفَن فاينمان: حصل على ماجستير في علم النفس المهني عام 1969، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة شيفيلد عام 1974، عَمل أستاذًا جامعيًّا للدراسات التنظيمية في كلية الإدارة بجامعة باث في المملكة المتحدة، واهتم بالكتابة في مجال التنظيم السلوكي، والنظريات التنظيمية النقدية، ونشر العديد من الكتب والدراسات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بعالم العمل والعدالة الاجتماعية.
ومن أهم أعماله:
العمل.. مقدمة قصيرة جدًّا.
Understanding Emotion at Work.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: وُلد عام 1961 في حمص بسوريا، وهو كاتب وصحفي ومترجم من أصل سوري يقيم في دبي بالإمارات العربية المتحدة، شغل منصب مدير تحرير “مجلة PC Magazine- الطبعة العربية”، ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، ومدير محتويات بوابة “عجيب”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربس” العربية.
ومن أهم ترجماته:
فن الحرب.
في مديح البطء.