الله أعلم حيث يجعل رسالته
الله أعلم حيث يجعل رسالته
إن أعظم نموذج يمكننا تعلُّم الرجولة منه؛ هم الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم)، وقد ذكر الله (عز وجل) هذه الخصلة مقترنة بالأنبياء في مواطن عدَّة، وهذا في ذاته دلالة على جلال هذه الخصلة ودورها الكبير في تحمُّل الأعباء والصبر، وغيرها من الصفات التي تندرج منها.
ففي قوله تعالى على لسان نوح (عليه السلام): ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وهذا الرد جاء بعد إنكار الكفَّار له، ووصفهم له بالضلال، إلا إنه (عليه السلام) بيَّن لهم حقيقة وظيفته وحقيقة رسالته على أكمل بيان، وصبر على أذاهم، فكان عليه السلام صابرًا مُتحمِّلًا.
كذلك هود (عليه السلام)، قد وصفه قومه بالسفاهة، لكنه (عليه السلام) رد ردًّا حكيمًا ينفي عن نفسه السفاهة كما نوح (عليه السلام) عن نفسه الضلالة، وهذا من كمال الرجولة، فعلى الرغم من علمهم بضلال قومهم وعدم إيمانهم فقد أقرُّوا الحق ونفوا عن أنفسهم السفاهة والضلال.
وقد يعتقد بعض الناس أن الرجولة تعني علو الجاه وكثرة المال، كما اعتقد كفار قريش حينما قالوا: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾، ولكن الله (سبحانه وتعالى) أعلم حيث يجعل رسالته، فكلَّف بها الرجال الحق، الرجال الذي لا يخافون في الله لومة لائم، فبالرجال الحقيقيين تحيا الأمم.
وبجانب ذلك تمنَّى بعض الأنبياء هذه الخصلة الشريفة أن تكون في قومه، لما رأى عليهم من الغفلة وإسرافهم في اللذَّات وتجاوزهم للفطرة والعقل، وجهالتهم بعواقب الأمور وعدم تحقُّق النخوة فيهم، فهذا نبي الله لوط (عليه السلام) يقول لقومه: ﴿أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾، فتمنَّى لو كان فيهم رجل واحد تتحقَّق فيه خصلة الرجولة التي تعفُّ صاحبها وتكفُّه عن الإسراف والعدوان والجهل.
الفكرة من كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
خلال التغيُّرات الثقافية التي تتعرَّض لها المجتمعات تبرُز قيم وتختفي أُخرى، وقد يكون من تلك القيم التي بدأت في الاندثار قيم لا تصلح المجتمعات إلا بها؛ قيم مركزية لها أصالتها ووزنها الحقيقي في السواء المجتمعي وصلاحه.
ومن بين تلك المعالم والأخلاق الإسلامية؛ الرجولية، هذه الصفة الجامعة لمعاني العزَّة والاحترام والأداء العميق للواجبات وتحمُّل أعباء الحياة، هذه الصفة التي لا يكون بها صلاح الفرد والمجتمع فحسب، بل تكون بها عزَّته، وصار ذا منعة وبأس، لذا كان لا بد أن نُعيد فهمنا لهذه الخصلة العظيمة، لنُعيد إحياءها بشكل بارز في مجتمعاتنا الإسلامية.
في كتابنا يُقدِّم لنا بحثًا شاملًا عن معاني الرجولة في القرآن الكريم، وذلك بتتبُّعه للآيات التي ذُكر فيها كلمة “رجل” وما يتصل بها، ليُقدِّم لنا نتيجة بحثه في معاني الرجولة في القرآن الكريم.
مؤلف كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
عبدالكريم صالح: وُلد عام 1956م بمصر، يعمل حاليًّا أستاذ التفسير وعلوم القُرآن بكلية القرآن الكريم ورئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر، له عدد من البحوث والمؤلفات منها:
إشراقات في توجيه ومعاني القراءات.
مناسبة أوائل السور بأواخرها.
يوم الفرقان في ضوء القرآن.