الله أعلم حيث يجعل رسالته
الله أعلم حيث يجعل رسالته
من أين نبدأ وكل دقيقة من عمره (صلوات الله وسلامه عليه) ثمينة لا تُفوَّت هكذا دون أن نستخلص منها عبرة أو نقف منها موقفًا يُعيننا في حياتنا التي بعدت عنه كثيرًا زمانيًّا وروحيًّا، فهل نبدأ منذ الولادة أم من قبل الولادة منذ أن هيأ الله العالم لاستقبال الشخصية التي غيرت حياة الإنسانية، ووضعت للعالم قواعد المعيشة الإنسانية الراقية وخطَّت له حدود الزيغ والفشل والانحطاط لئلا يتعداها ورسمت له منحنيات النجاح والفلاح والعيشة الهنية.
والبعض يولد مفطورًا على الخلق الحسن الرفيع، وقد يكتسب شيئًا منه في حياته اكتسابًا، لكننا هنا بصدد الحديث عن من هيأه ربنا لنا رحمة وبشرى وقدوة وأسوة.
يخرج أهل مكة يبيعون ويشترون ويتبادلون المنافع، وربما طفَّف أحدهم في الكيل والميزان وربما زين أحدهم بكذبه بضاعته مروجًا لها، لكن محمدًا الصادق الأمين لم يكن لتزل قدمه في أوحال الجاهلية وكيف لها أن تزل بعد أن شق جبريل صدره فاقتلع حظ الشيطان منه!
كان الكون كله يشعر بحدث مهيب جلل سيغير من لون البشرية للأبد، الحصى كان يشعر بهذا وينتظره والشجر كان يهاب المصطفى إن مر بجانبه، والغار ويا لحظ الغار! آوى في بطنه أشرف من جاء إلى هذه الدنيا وشهد أعظم اتصال بين السماء والأرض؛ اتصال رسول السماء جبريل برسول الأرض محمد (صلى الله عليه وسلم)، وشهد الضمَّة وشهد الرجفة والخوف، فهو (صلى الله عليه وسلم) بشر في نهاية الأمر خاف على نفسه مما حدث له، والحمد لله أنه بشر!
يعود البشري العادي إلى زوجته بعد أن تحوَّل إلى النبي البشري، الذي ستتبعه أمم الدنيا كلها حتى قيام الساعة، النبي الذي نال قبل لحظاتٍ في الغار شرف النبوة والرسالة، توقَّف لحظة وأعد المشهد في مخيلتك: تخيل رجلًا في الأربعين من عمره يختلي بنفسه شهرًا من كل عام بعيدًا عن زوجته وأبنائه مترفِّعًا عما اشتهر وانتشر في مجتمعه، متأملًا في الكون الرحب الفسيح ينزل عليه مخلوق من السماء يضمُّه ويتركه ثم يضمُّه ويتركه ثم يضمُّه ويتركه ويأمره بما ينفيه هو عن نفسه، رجل في الأربعين من عمره يعود إلى زوجته مرتجفًا يقول: زملوني دثروني!
الفكرة من كتاب الرجل النبيل.. محمد رسول الله
“هذه الحياة السوداء لا تليق بمحمد مهما حاول أن يمسح شيئًا من السواد عن لوحتها الكبيرة، إن الأصباغ القاتمة تراكمت بطيش حتى بات من العسير إضافة لون أبيض أو معنى جميل، لذلك فقد حُبِّب لهذا الشاب أن يترك الجاهلية وراء ظهره ويذهب كلما سنحت له الفرصة إلى تلك الجبال البعيدة التي يسمعها تهمس بأشياء تدركها روحه ولا يتحقَّقها عقله كأنما تريد أن تقول له شيئًا مهمًّا للغاية، وكأنها تريد أن تُفصح له عن ماهيته التي ما زال حتى اللحظة لا يدركها”.
جوانب متفرقة متنوعة متكاملة من حياة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) يجمعها الكاتب ويصوغها بأسلوب يرقِّق القلب ويدمع العين حتى إنك تود أنه في نهاية الكتاب لم ينتهِ من تعطيرك بسيرة الحبيب ولو أنه أطال قليلًا.
ستخرج بعد هذا الكتاب وهذه المواقف المتنوعة متعطشًا للتعلم والتعرف على سيرة أعظم البشر (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب الرجل النبيل.. محمد رسول الله
علي بن يحيى بن جابر الفيفي: كاتب ومحاضر في قسم الشريعة واللغة العربية في كلية البرامج المشتركة بالمحالة بالسعودية، حاصل على بكالوريوس في تخصص الدعوة، هذا إلى جانب حصوله على درجة الماجستير في تخصص الدعوة والاحتساب، وله العديد من الأبحاث العلمية المتميزة.
ومن أبرز مؤلفاته:
لأنك الله.
سوار أمي.
يوسفيات.