اللغة بين أسلوبي الكينونة والتملك
اللغة بين أسلوبي الكينونة والتملك
يرى فروم أنه خلال القرون الأخيرة حدث تطور في اللغات “الغربية” يعكس التوجه نحو أسلوب “التملك” من خلال الاستخدام المتزايد للأسماء بدلًا من استخدام الأفعال، “فالأسماء” هي الرموز المناسبة للأشياء، كالقول: إنني أملك هاتفًا أو سيارة، بينما “الأفعال” هي الرموز المناسبة للنشاط والفعل، كالقول: أنا أريد أو أنا أحب؛ ولم يتوقَّف الأمر عند الاستخدام المتزايد للأسماء بدلًا من الأفعال، بل فوق ذلك أصبح يتم استخدام الأسماء للتعبير عن النشاط أو الفعل، فيستعاض عن الفعل والنشاط بصيغة التملك للتعبير عن النشاط الإنساني، وهذا من الاستخدامات المغلوطة للغة لأن النشاط يمارس ولا يمتلك.
فعندما يقول الإنسان: “أنا أملك سيارة” فإنها تُفهَم على الوجه الحقيقي للملكيَّة، لكن عندما تقول: أنا أملك فكرة، فإنها تعني (أنا أفكر) لأن الأفكار لا تمتلك، بل هي نشاط عقلي؛ كما يظهر التوسع في استبدال الأفعال بالأسماء في المجتمعات المعاصرة من خلال المثال التالي: عندما أقول: “أنا عندي حب أو ميل كبير نحوك” هو قول لا معنى له لأن الحب ليس شيئًا يمتلكه الإنسان، بل هو فعل ونشاط داخلي، فالإنسان هو الفاعل له، فعندما أحب، فأنا في حالة محبة، لكني في ذات الوقت لا أملك شيئًا، فالإنسان يحب أكثر بمقدار ما يملك أقل، وبالتالي فإن أسلوب التملك يجعل علاقة الإنسان بالعالم من حوله مقتصرة على التملك والحيازة لكل شيء بما في ذلك الأشخاص والأفعال والنشاطات، وحتى ذاته نفسها تصبح محلًّا للملكية!
الفكرة من كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
المجتمع عند فروم يتصارعه نمطان للعيش في هذه الحياة، نمط يقوم على “التملك” حيث الاستهلاك والاكتناز والرغبة في الاستحواذ وامتلاك الأشياء، وكذلك الرغبة في الشهرة والسلطة التي تحقق السيطرة على الآخرين، هذا النمط الذي يجعل الإنسان (ناقص الإنسانية)، ونمط آخر هو نمط “الكينونة” والوجود حيث اهتمام الإنسان بعلاقته مع البشر والارتقاء أخلاقيًّا وروحيًّا لتحقيق (كمال الإنسانية)، ومجتمعاتنا المعاصرة يهيمن عليها نمط التملك، ما يعني أن هناك كارثة تحيق بالإنسان تدفعه نحو الهاوية نفسيًّا وبيئيًّا، وأن البديل الوحيد لتجنُّب الكارثة وعدم السقوط في الهاوية هو العيش وفق “نمط الكينونة”.
مؤلف كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
إريك فروم ، هو عالم نفس وفيلسوف وناقد اجتماعي ألماني، تعلم في جامعتي هيدلبرج وميونيخ، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة هيدلبرج عام 1922 في علم النفس، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، واشتغل في التدريس في الولايات المتحدة والمكسيك، له عدة مؤلفات، منها: “الإنسان بين الجوهر والمظهر”، و”الخوف من الحرية”، و”كينونة الإنسان”.