اللدونة وعلاج الوساوس
اللدونة وعلاج الوساوس
يعالج الدماغ الوساوس ومنبهات القلق في ثلاثة أجزاء منه: القشرة الجبهية المدارية التي تنشط وقت هجوم الوساوس (الإحساس بالخطر)، والتلفيف الحزامي (cingulate gyrus) الذي يستحث الاستجابة للوساوس (فيحدث القلق)، والنواة المذَنَّبة (caudate nuclues) الموجودة في مركز الدماغ وتكوِّن الأفكار لتصحيح الخطر أو تجنُّبه، وقد أظهر مسح الدماغ أن هذه الأجزاء تكون نشطة للغاية في المصابين باضطراب الوساوس القهرية.
ولا تكفي الأدوية والعلاجات السلوكية وحدهما لعلاج المرض، لذا اعتمد جيفري شوارتز على أدوات اللدونة العصبية في تعامله مع المرضى، وقد بدا نجاحه عندما قارن المسح الدماغي بين مصابين وأصحاء ثم بين المصابين أنفسهم قبل وبعد العلاج، واعتمد شوارتز على تحفيز النواة المذنَّبة للتركيز بفاعلية على نشاط جديد ممتع بجانب القلق ليعمل على تكوين دائرة عصبية جديدة تحفز إفراز الدوبامين ليكافئ النشاط الجديد ويقوي الوصلات الجديدة لتتنافس مع النشاط القديم (الوساوس والقلق)، ووفقًا لمبدأ “استعمله أو اخسره” فإن الشبكات المرضية سوف تضعف.
وقد وجَّه شوارتز مرضاه إلى إعادة تصنيف الأحداث عند هجوم الوساوس، فإذا كان هناك مريض يعاني الرهاب المفرط للجراثيم وغسل اليدين يعلِّمه أن يقنع نفسه بأن ثمة مشكلة فعلًا، لكن ليست بسبب الجراثيم وإنما اضطراب قسري يعانيه؛ فيتيح للمريض مراجعة الأفكار والقلاقل الناشئة وتقييمها بدل التركيز على محتوى الوساوس نفسه؛ لأن التركيز على المحتوى يزيد الحالة سوءًا.
ويركز المعالجون أيضًا على تقنية “التعرض ومنع الاستجابة” أي تعريض المريض لمنبه القلق (الشيء الذي يخافه) في صورة مخففة ثم يزيده تدريجيًّا، وتدريبه على كبح الاستجابة المفرطة له؛ فإن ما يألفه الإنسان ويعتاده يقل خوفه منه، ونجح “شوارتز” في علاج حالات وخيمة باستخدام تلك التقنيات بجانب الأدوية، وبعض المرضى استغنى عن الأدوية بعد وقت قصير وبعضهم لم يتناولها مطلقًا، ومع احتمالية حدوث انتكاسات فإن تلك التقنيات تساعد المرضى على تدارك الأمر بسرعة دون العودة إلى نقطة الصفر، وربما دون اللجوء إلى طبيب.
الفكرة من كتاب الدماغ وكيف يطوِّر بنيته وأداءه
لا تزال نظرية الدماغ غير المتغير مسيطرة على مجتمع علماء الأعصاب منذ عهد ديكارت، الذي تعامل مع الدماغ على أنه مستقبِل سلبي للمحيط الخارجي، ونتج عن ذلك النظر إلى الدماغ كآلة محكمة الدوائر؛ كل جزء فيها يؤدي وظيفة محددة لا ينفك عنها، والاعتقاد بأن حالات العجز الناشئة عن تلف دماغي لا يمكن شفاؤها.
لكن نورمان دويدج في هذا الكتاب يرصد قصصَ نجاحٍ واقعية باهرة لشفاء مثل تلك الحالات بتطبيقات اللدونة العصبية؛ وهي قابلية الدماغ للتغيير والتعديل عن طريق قيام خلايا سليمة بالوظائف التي كانت تؤديها الخلايا التالفة، وهو ما يعتبره المؤلف ثورة في مجال علم الأعصاب، ونترك للقارئ حرية التأييد أو الانضمام إلى صفوف المشككين في القدرات الخارقة للدونة العصبية.
مؤلف كتاب الدماغ وكيف يطوِّر بنيته وأداءه
نورمان دويدج Norman Doidge: محلل وطبيب نفساني كندي، درس الكلاسيكيات الأدبية والفلسفة، والطب في جامعة تورنتو، ثم انتقل إلى نيويورك وحصل على شهادة في التحليل النفسي من جامعة كولومبيا، ثم زمالة المعهد الوطني لبحوث الصحة العقلية لمدة عامين، للتدريب على تقنيات العلوم التجريبية. وبعد عودته إلى وطنه عمل رئيسًا لمركز العلاج النفسي وعيادة التقييم في معهد كلارك للطب النفسي. حصل دويدج على جائزة ماري سيغورني عن كتاباته العلمية حول اللدونة العصبية وأبحاثه في التحليل النفسي.
من أبرز مؤلفاته:
The Brain’s Way of Healing
The Brain that Changes Itself
Neustart im Kopf: Wie sich unser Gehirn selbst repariert
معلومات عن المترجمة
رفيف غدار: مترجمة، ترجمت كتبًا مهمة منها: “الإلمام بالحقيقة”، و”علم الفراسة”، و”فن الاسترخاء”.