اللحظات الأولى في كل شيء
اللحظات الأولى في كل شيء
بروحٍ هادئة، وبقلبٍ مُطمئن؛ افتح أبواب إدراكك أمام هذا المشهد المَهيب، تخيَّل هذا الرجل الكريم المكي القُرشي الذي قرر اعتزال الناس شهرًا، مُنصتًا لتسبيح الكون، فإذا صوت من السماء يُناديه، يضمُّه، يُكرر عليه كلمة واحدة، فيهتز رهبًا، ويسير في طُرق مكَّة قاصدًا بيته قائلًا “دثِّروني.. دثِّروني”، وبهذا الحدث أُضيءَ للبشرية مورد سماوي، وأصبح أهل الأرض على صلة بأهل السماء، فكيف إذًا ستُبنى نفوس أهل الأرض ليكونوا أهلًا لهذا الاتصال الجليل؟
إن الناظر في سر أول كلمة قرآنية قاصدًا هذا الوصل، وهذا الهدى؛ لوجد عجبًا! ﴿اقْرَأْ﴾ إنها مهمَّة جديدة تمامًا، ومن تأمَّل مقصد الإسلام على نحو عام اعتقد أن البداية قد تكون ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ فهذا عنوان التوحيد، ولكن البداية كانت مختلفة، لأن مهمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ستكون مختلفة، ﴿اقْرَأْ﴾ لأنها رسالة عقل، رسالة تُحيي النور في نفس الإنسان بالتفقُّه والتدبُّر، ﴿اقْرَأْ﴾ لأن هذه أمة لا بدَّ أن تقوم على العلم، أُمَّة دينها “الكتاب”، ﴿اقْرَأْ﴾ ولا تهذ بالقرآن هذًّا، قال تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ به لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بهِ﴾، فإنه بهذا القرآن يوقظ مراد الله في الإنسان، فكان محمد (صلى الله عليه وسلم) خير من يقرأ، فقد قرأ القرآن قراءة تفعيل وتأويل، فتقول عنه السيدة عائشة (رضي الله عنها): “كان يتأوَّل القرآن”.
أما بداية الخلق فحين صوَّر الله (عزَّ وجل) آدم (عليه السلام)، ونفخ فيه من روحِه، وأسجد له ملائكته، تجلَّى أنه خلق فريد! فلماذا هذا الحدث السماوي العظيم لهذا المخلوق؟ إنها مهمة جديدة تمامًا أعلى من مجرد التسبيح والصلاة، مهمة جسرها العلم، وظيفتها ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، فهذا الكائن في نسيجه وتسبيحه مختلف عن الملائكة، فإن تسبيحه بأبعادٍ جليلة، وصلاته بلغة جديدة، إنها لغة العلم والترتيل والوعي والعقل، إنه تسبيح واعٍ، فالناظر في القُرآن يجد أن أوَّل حديث عن أوَّل نبي وهو أوَّل البشر ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾، وأن أوَّل كلمة نزلت على آخر نبي ﴿اقْرَأْ﴾، فبين البداية والنهاية أسرار!
الفكرة من كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
إن الناظر في مواقف الصحابة (رضوان الله عليهم) وتغيُّر حالهم مما كانوا عليه قبل البعثة وحين نزل عليهم الوحي، يقف مُتعجبًا كيف تغير هؤلاء هذا التغيُّر المقابل تمامًا، كيف انقلب حالهم من الضلال والشرك إلى النور والتوحيد، كيف بعد أن كانوا أُمة لا تُذكر ارتفع ذكرهم في أرض الله بأكلمها، كيف بعد أن كانت حدودهم مكة وما حولها، صارت شموسهم تُشرق من كل اتجاه، فما سر هذا التغيُّر؟ وما سر قوَّته وتأثيره؟ إنه كلام ربِّ العالمين!
في هذا الكتاب تكشف لنا الدكتورة كِفاح أبو هَنُّود كيف بنى القُرآن تلك النفوس الجليلة من خلال تتبُّع السور المكيَّة التي شكلَّت أولى اللبنات التي قامت عليها هذه الأمَّة، لنحاول من جديد أن نستقي من نور الوحي، فإنه لا أثر للنص إذا انقطع عنه الفَهم.
مؤلف كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
د. كفاح أبو هنود: كاتبة أردنية الجنسية، حاصلة على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وهي الآن أستاذة جامعية، كما أنها ناشطة في العمل الشبابي والنسائي في دول عدة، وقد أسست عددًا من البرامج التربوية.
من مؤلفاتها:
في صحبة الأسماء الحُسنى.
التوظيف الحداثي لآيات المرأة: جمال البنا نموذجًا