اللباس والجنس
اللباس والجنس
لم يغفل الإسلام بمعالجته لقضية الزي الإسلامي عن الإشارة إلى ارتباطها بقضية الجنس، بل هما قضيتان متلازمتان والتهاون شيئًا فشيئًا في قضية اللباس نتيجته بالضرورة النزوح إلى شكل من أشكال الإثارة الجنسية، فهكذا خُلِقَت الغرائز تُستثار بأمور معينة ليست مستورة عنا، بل معروفة، وهي التي جاء التشريع بضبطها لعلمه بالآثار المترتِّبة على الانفلات فيها، وهي التي يلعب على أوتارها روَّاد الصناعة وأئمة الفجور.
ركب الله في الفطر البشرية غرائز جنسية تستثار بشكل معين مختلف عند الذكر والأنثى، فما يُثير أحدهما قد لا يُثير الآخر، الروائح والشكل الخارجي من اللباس وبعض أجزاء الجسد المكشوفة والأخرى المستورة مثلًا مما يُثير الرجل، أما المرأة فنجدها تستثار مثلًا باللمس أو بالكلام المعسول والغزل ونحوه، نجد الحليَّ مثلًا مما يستثير الرجل والصوت الناعم وطريقة المشي وهكذا، فنجد التشريع الإسلامي من خلال نصوص الوحي جاء ضابطًا لكل ناحية من هذه النواحي على وجه التفصيل، مبينًا الحكمة من ذلك، انظر في قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾، وانظر إلى قوله (صلى الله عليه وسلم): “إذا استعْطَرَتْ الْمَرْأَةُ، فمَرَّتْ علَى القومِ لِيَجِدُوا رِيحَها، فهِيَ (…)” وقال قولًا شديدًا! وغيرها من الشواهد كثير.
إذًا ستجد أن التصور الإسلامي يحاول التقليل من منافذ الشهوة قدر الإمكان لينصرف التركيز إلى منافذ أخرى ذات قيمة أعلى، بخلاف الواقع تجده يفتح أكثر من منفذ للشهوة في وقت واحد ويزيِّن ويدندن حولها فصارت الشهوة والجنس يتصدَّران المشهد العام، حتى في أكثر الأماكن انضباطًا وجدية، وكل ذلك من خلال اللعب الصناعي على المُثيرات التي سبق أن ذكرناها، فالتشريع يضع هذه القضية في موضعها المناسب ويقدرها قدرها، والواقع الاستهلاكي يُعلي من قيمتها جدًّا ويلفت النظر إليها بشتى الوسائل والطرق، التشريع يترفَّع بالإنسان عن الحياة المادية ويُعلي من قدره ومهمته كمُستخلَف على هذه الأرض، والواقع مستغرق في المادية إلى حد النخاع حتى ضاعت معه القيم العليا السامية.
الفكرة من كتاب فلسفة الزي الإسلامي
تصوُّر القضايا الإسلامية بشكل مفصل وبإسقاط على الواقع المعيش يساعد على فهم مقاصد وغايات تلك القضايا والتشريعات الإسلامية، والنظر إليها من أفق أوسع وفهم التشابك الحاصل في الواقع يجعلها تنزل على القلب الصادق والعقل المنصف منزلها الصحيح، ننظر هنا مع الكاتب إلى قضية الزي الإسلامي نظرة مفصَّلة واعية واقعية لنرى الصورة بشكل أوضح.
مؤلف كتاب فلسفة الزي الإسلامي
أحمد الأبيض: طبيب وباحث في القضايا الاجتماعية، أثناء المرحلة الجامعية أسهم في تحريك الحياة الثقافية والعلمية في الجامعة في تونس، فكان يقوم بتقديم المحاضرات العلمية في مختلف الكليات وفي النوادي الثقافية أيضًا، له العديد من المؤلفات منها:
أشكال التعبير.
فن حوار الأنوثة والذكورة.
فلسفة الدعاء.