اللامساواة في العصر المموَّه الطويل (1870 – 1930)
اللامساواة في العصر المموَّه الطويل (1870 – 1930)
إن أمريكا خلال العشرينيات من القرن العشرين رغم غناها، لم يكن حالها أفضل مما كانت عليه أواخر القرن التاسع عشر، إذ كانت على القدر نفسه من اللامساواة، وعلى القدر نفسه من سيطرة النخبة الغنية، والدليل على ذلك أن عدد الأمريكيين الأغنياء على نحو مفرط (البليونيرات) الذين امتلكوا ثروة أكبر من المخرجات السنوية لعشرين ألف عامل أمريكي، كانوا نحو (23) بليونيرًا أمريكيًّا عام 1900، ووصلوا إلى (32) بليونيرًا عام 1925، ومع برنامج (الإصلاح الجديد) في عهد فرانكلين روزفلت تلاشوا من المشهد الأمريكي، وتقلَّص هذا العدد إلى (13) بليونيرًا بحلول عام 1968، وصارت اللامساواة في العصر المموَّه شيئًا من الأسطورة، إن المستوى العالي من اللامساواة في العصر المموَّه يشبه اللامساواة العالية اليوم من حيث الموقف الضعيف للعمال، إذ إن أرباب العمل الكبار كانوا أحرارًا في وضع الأجور وشروط العمل، وكانت الإضرابات العمَّالية تُفضُّ بالقوة عن طريق استخدام مفسدي الإضراب وكاسريه الذين كان أرباب العمل يستأجرونهم.
حتى نهاية العشرينيات من القرن العشرين كان العمال الأمريكيون ما زالوا في فقر طاحن، أما بالنسبة إلى الذين تم القذف بهم خارج العمل، أو أصيبوا في أثناء العمل، أو تقدَّم بهم السن دون أبناء يعولونهم، كانت حياتهم بؤسًا حقيقيًّا، نتيجة عدم وجود خطط سياسية حكومية تعمل على توزيع الدخل، ولم يكن هناك تأمين اجتماعي، كالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية للمسنين، وكانت الضرائب منخفضة للغاية.
إن سبب هذا الفقر المدقع للعمال، وعدم وجود خطط حكومية لمساعدة المحتاجين، راجع إلى وجود الحرمان الفعَّال من حق التصويت في الانتخابات للكثيرين من العمَّال الأمريكيين، فقد كان هناك 14٪ من الذكور البالغين غير حاصلين على المواطنة، وبالتالي ليس لهم حق التصويت في الانتخابات، كما أن السود الجنوبيين كانوا محرومين من التصويت في الانتخابات أيضًا، بسبب نظام التمييز والعزل العنصريين المعروف باسم (جيم كرو)، وبناءً على ذلك كان هناك نحو ربع السكَّان محرومين من أي دور في العملية السياسية في أمريكا، وكانوا هم أفقر ربع من السكان! إن هذه العوامل تفسِّر لنا لماذا الهيمنة المحافظة استمرت خلال العصر المموَّه، فبكل بساطة لأنها أدَّت إلى عدم وجود مصوِّتين يدعمون أي برامج سياسية تجعل الأغنياء يدفعون مبالغ كبيرة لمساعدة الفقراء والضعفاء.
الفكرة من كتاب ضمير ليبرالي
يبيِّن الكاتب في هذا الكتاب أن تاريخ اللامساواة في الولايات المتحدة الأمريكية راجع إلى خطط سياسية حكومية مستهدية بحركات سياسية منظَّمة، إذ وُجدت أطراف كانت تدافع عن اللامساواة مستغلة الانقسامات العرقية والثقافية لمصلحتها، ما أدى إلى تركيز الثروة في يد عدد قليل للغاية من الناس ما منع ظهور الطبقة الوسطى خلال القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وظل الأمر على هذا الوضع حتى مجيء فرانكلين روزفلت رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، إذ قام بوضع برنامج إصلاحي (برنامج الإصلاح الجديد) أدى إلى تقليل فجوة الثروة والدخل، وظهور الطبقة الوسطى، وتقليص عدد الأغنياء عن طريق فرض الضرائب التصاعدية، وتأمين البطالة، والضمان الاجتماعي، فشهدت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك فترة من رعاية الرفاهية العامة، إلا أنه مع بداية الستينيات ظهرت حركة المحافظين الجدد التي أرادت أن تخصخص المؤسسات التي أنشئت نتيجة برنامج الإصلاح الجديد، واستطاعوا أن يكوِّنوا قاعدة شعبية لهم، أدت في النهاية إلى انقراض الطبقة الوسطى تدريجيًّا، وتركيز الثروة في يد قلة قليلة من الناس.
مؤلف كتاب ضمير ليبرالي
بول كروغمان: هو اقتصادي أمريكي، وأستاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، وكاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، فاز بوسام “جون بيتس كلارك”، وهو أثمن جائزة تمنح للاقتصاديين الأمريكيين، وحاصل على نوبل في الاقتصاد عام 2008، يدرِّس علم الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة برنستون الأمريكية.
معلومات عن المترجم:
محمد محمود التوبة: هو كاتب، ومترجم فلسطيني، من ترجماته:
انتحار الغرب.
سرقة التاريخ.
طريق الصين.