اللاأخلاقية الغنوصية والمعرفة العليا
اللاأخلاقية الغنوصية والمعرفة العليا
تؤمن الغنوصية “بثنائية القطبية” في الكون، المتمثلة في التداخل الوجودي، حيث إن لكل ظاهرة بدايتان (المادة، والروح)، (الإيجابي، والسلبي)، (الذكورة، والأنوثة)، (النور، والظلمة)، ومن ثمَّ فإن (الخير، والشر) يوجدان بوصفهما قوتين متساويتين وجوديًّا، وجانبين متضادين لكل ظاهرة، وتسمى هذه في القابالا: “وحدة وصراع الأضداد” الموجود في الطبيعة والمجتمع والفكر، وبناءً على ذلك، عدم إمكانية وجود أو بناء أيَّة منظومة أخلاقية، لذلك تتسم الغنوصية “باللامبالاة الأخلاقية”، فالشر يصدُر عن المادة والجسد، وليس عن الروح، وبالتالي لا توجد قواعد قيمية اجتماعية أو نظم وضوابط أخلاقية، فالقيمة الأعلى للقوة متجسِّدة في “المعرفة”، وليست في القوى الاجتماعية أو المحظورات الأخلاقية، ما يعني الوصول إلى مرحلة الفجور المطلق، المبرر للانحلال الأخلاقي والجنسي، الذي يظهر في طقوس العربدة المشتركة، والفسق، واللواط، والشذوذ بكل أشكاله وألوانه، التي تنتهي بالانتحار، إذ يرى الغنوصي نفسه مناضلًا ضد أي قيود، ومكافحًا ضد أي سلطة خارجة عنه تحدُّ من حريته أو تُضيِّق عليها!
كما يرى الغنوصي أنه يجب الحفاظ على “المعرفة العليا” بناءً على معيارين مزدوجين، معيار للخاصة أهل المعرفة، ومعيار آخر للمحيط الخارجي للجهلة، فالتعامل وفق المعيار الأول يقوم على الوعي بالواجب وتعزيزه اتجاه الخواص، بينما التعامل مع الآخرين يقوم على الاستغلال، فمثلًا يروِّجون للزهد والتقشُّف بين من هم في المستويات السفلى والدنيا، أما المستويات العليا فكل شيء في هذا العالم مباح لهم! كما أن الغنوصية تُعدُّ أكثر التعاليم والفلسفات خطورة، إذ ترى الله خالق الكون محدود القدرة وغيورًا وجاهلًا ومعاديًا للإنسان، بينما الربُّ الأعلى فهو محب للإنسان يسمح له بالحرية الأخلاقية والتحلُّل الأخلاقي، بينما “إبليس” عندهم يجسِّد القوة الطيبة والحكمة العليا، ويحارب الرب الشرير المعادي للإنسان، ويقدمونه على أنه معلِّم البشر وحامل مشعل النور لهم ومنقذهم الذي يقدم لهم المعرفة المحجوبة التي تجعلهم يصلون إلى الحالة الإلهية، فينعمون بالخلود، مستبدلين الربوبية الإلهية بالربوبية الإنسانية!
الفكرة من كتاب ديكتاتورية المستنيرين.. روح الإنسانوية العابرة وأهدافها
نشهد اليوم ثورة عالمية في المجال الثقافي تهدف إلى تغيير جوهر الإنسان ذاته، تحت شعار الإنسانية والتنوير والعقلانية، فالأقنعة واللافتات الفكرية التي يُروَّج لها كثيرة، لكن الجوهر واحد، إذ تقوم على أسسٍ دُنيوية صِرفة، ومحاربة الإيمان بالله، ومحاولة إلغاء سلطة الله واضعة مكانها القوَّة العالمية العُليا للإنسان الممثلة في أنتيخريستوس (المسيح الدجال)، وما المادية والإلحاد إلا حلقة وسيطة بين الإيمان بالله وأشكال إيمانية غيبية جديدة، والسحر والشعوذة المتصل بفساد كبير وانحلال أخلاقي، وقد تم تسخير كل شيء من عِلم وتكنولوجيا من أجل تغيير بناء الإنسان الروحي جذريًّا، ورفض الإنسان ذاته والقضاء عليه، برفع راية الإنسانوية العابرة حيث الإنسان الخارق (السوبر مان)، خارق الذكاء، الخالي من الأمراض، دائم الحيوية والشباب، الذي لا يجري عليه الموت أو الفناء!
مؤلف كتاب ديكتاتورية المستنيرين.. روح الإنسانوية العابرة وأهدافها
تشيتفيريكوفا أولغا نيكولايفنا: هي مؤرخة روسية، وباحثة دينية، تخرجت عام 1983 في معهد العلاقات الدولية بموسكو، وتعمل أستاذة مشاركة في قسم التاريخ والسياسة في أوروبا وأمريكا، كما أنها متخصِّصة في التاريخ الاجتماعي والسياسي لأمريكا اللاتينية، ومن مؤلفاتها:
خيانة في الفاتيكان.
عن السر.
الإنسانوية العابرة في التعليم الروسي.. أطفالنا بمثابة سلع.
ثقافة ودين الغرب.
تدمير المستقبل.
ذئاب ضارية.. من يقف وراء الفاتيكان.
معلومات عن المترجم:
الدكتور باسم الزعبي: وهو مترجم أردني، تخرج في جامعة روستوف السوفييتية بدرجة الماجستير عام في الأدب تخصُّص صحافة 1982، كما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من معهد الفلسفة التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية عام 1990، كما حصل على شهادة الماجستير في الإدارة والدراسات الاستراتيجية من كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية عام 2010، ومن مؤلفاته:
قيم الحياة عند أبي حيان التوحيدي.
الصحافة الشيوعية في الأردن وفلسطين.
دم الكاتب.
الموت والزيتون.
تقاسيم المدن المتبعة.
الحصان العربي.