الكمالية والشقاء
الكمالية والشقاء
إنه لمن الشرف والعزة أن يريد الإنسان لنفسه الرفعة والعلا، وأن يترفَّع بنفسه عن دنيِّ الخصال إلى قممها. نعم عندما يريد الإنسان أن يحسِّن من نفسه فهذا أمر جيد يحثُّه على النمو والتغيير نحو الأفضل، لكن عندما يكون هدفه الكمال ويشعر بأن ما دون الكمال فشل ونقص يؤول به الحال إلى الشعور بالمرارة واليأس والإحباط في كل عمل يقوم به.
وهذا السبيل يؤدي إلى الشقاء والبؤس والصراع الدائم مع الذات وتحميلها ما لا تحتمل، ويجعل صاحبه يجد صعوبة في تقبُّل الأخطاء التي يرتكبها والزلات والهفوات التي تصدر منه، ويجد كذلك صعوبة في قبول هذا الضعف من نفسه وهذا النقص في ذاته، مما يجعله يعيش تعسًا في حياته لا تعرف السعادة إليه سبيلًا.
وتفتقر الكمالية إلى الواقعية في التعامل مع النفس أو مع الآخرين وترفض التعايش مع النقص والضعف البشري، والشخص “الكمالي”- إن صح التعبير – يعتقد أن قبول الآخرين له رهن بإنجازاته وأعماله، وأن قيمته الذاتية متوقِّفة على ما حقَّق، فتراه يجد نفسه مرغمًا على النجاح لأنه في فزع وخوف من أن يفقد قبول الآخرين وحبهم له، وفي قلق مضنٍ من أن يفقد قيمته الذاتية وتقديره الخاص.
الفكرة من كتاب السعادة تنبع من الداخل
هل السعادة حقًّا في متناول الجميع -كما يقولون- وأن علينا أن نبحث عنها في داخلنا وليس في الخارج، وهل على كلٍّّ منَّا أن يتحمَّل المسؤولية كاملة عن تحقيق سعادته، لذا عندما نبحث عن سعادتنا من خلال الآخرين أو الأشياء نكون في توجُّه خاطئ، فالسعادة التي تستمرُّ لا بدَّ أن تنبع من الداخل؟! أم أنها ليست هدفًا بحدِّ ذاتها، بل هي نتيجة لأمور أخرى نسعى إليها؟
في هذا الكتاب يوضح المؤلف مفهوم السعادة والأسبابَ الكامنة وراء منغِصات الحياة، منتقلًا إلى الحديث عن الإنسان الذي يختبر السعادة في حياته، وما السبيل إلى ذلك.
مؤلف كتاب السعادة تنبع من الداخل
جان باول اليسوعي: كاتب ألماني واسمه الحقيقي يوهان باول فريدريش ريشتر، ولد عام 1763 في فونزيدل، كان ابنًا لأحد المدرسين وعاش في ظروف شديدة الفقر، وتُوفِّي والده مبكرًا، وكان من المفترض أن يدرس جان باول علم اللاهوت في لايبزغ، إلا أنه اتجه إلى الكتابة والتأليف، وبعد فترة إعداد طويلة ورفض دور النشر لأعماله، كتب جان باول أعمالًا جعلته مشهورًا لسنوات قليلة، وأهمها: “سر البقاء في الحب”، و”لماذ أخشى أن أقول لك من أنا”، و”حب بلا شروط”.
وعندما كتب أحب أعماله إلى قلبه “تيتان.. سنوات المراهقة” لم يجد نجاحًا يُذكر، فاعتزل الحياة وعاش على هامشها إلى أن تُوفِّي في الثانية والستين من عمره في عام 1825 في بايرويت.