الكل ناشط.. لا أحد يحارب
الكل ناشط.. لا أحد يحارب
خلال السنوات الأخيرة كان الفيسبوك أداة للآراء السياسية وللثورات، وجعل للجميع فرصًا متساوية لرفع صوتهم على غيرهم فحوَّلنا من مستهلكين للإعلام إلى صُنَّاع له، ومن جهة تتلقَّى الأخبار إلى جهة فعالة، ووضع الجميع تحت ضغط هيمنة الرأي الواحد ورفض تعدُّد الآراء، فقد تجد صفحاتٍ تدعو إلى التنديد بقتل شخص ما أو فئة ما وزرع أفكار معادية لهم، وفي وسط القطيع سينسحب الجميع تحت سطوة هذا الرأي، كما أصبح يُسبِّب تشتُّت الرأي العام بسبب الكم الهائل من المعلومات التي يُصدرها، فقد يجعل الجميع مهتمين في يوم واليوم الثاني يُبرئهم مما هم فيه إذا اجتمع القطيع على هذا الرأي.
كما أنه بدَّل الناشطين والسياسيين الذين تركوا النشاط السياسي الواقعي لصالح ضجيج إلكتروني، فاليوم لا يشترط عليك أن تكون ناشطًا سياسيًّا لديه آراء وأهداف واقعية لتحقيق نتائج هادفة على أرض الواقع، فيكفيك كتابة عدة منشورات وإرسالها إلى الجميع حول العالم بالضغط على زر “نشر” لتحصل على موافقة الملايين بـ”لايك” وتعليق ومشاركة على صفحاتهم، ثم ترجع إلى حياتك الواقعية غير محقِّق أي نتيجة ملموسة غير أنك حقَّقت ملايين المشاركات واللايكات فحسب.
الكاتب إيفجيني موروزوف يلخِّص النشاط المزيَّف على الفيسبوك في كتابه “وهم الشبكة”، فيقول عن الجانب المظلم من حرية الإنترنت: “العديد من مستخدمي الفيسبوك ينضمُّون إلى المجموعات، لا لأنهم يدعمون قضايا محدَّدة، بل لأنهم يعتقدون أن من المهم أن تتمَّ رؤيتهم من قبل أصدقائهم الافتراضيين على أنهم يهتمُّون بمثل تلك الأمور، ففي الماضي كان إقناع أنفسهم، وزملائهم، بأنهم ملتزمون فعلًا اجتماعيًّا وسياسيًّا لدرجة كافية لتحقيق تغيير حقيقي في العالم، يستوجب كحدٍّ أدنى، النهوض عن كنباتهم، ففي هذا العالم لا يهم إن كانت القضية التي يحاربون من أجلها حقيقية أم لا، فلطالما أن إيجادها والانضمام إليها أونلاين سهل، فهذا كافٍ، وإن كانت تبهر أصدقاءهم، فهي جوهرة حقة”، لكن لن ننسى أن الفيسبوك سيظل موقعًا ترفيهيًّا اجتماعيًّا.
الفكرة من كتاب العيش كصورة.. كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة
كل ما أنجبته التكنولوجيا الحديثة في حياتنا كان سلاحًا ذا حدين، لكننا لم نستقبل هذه الأسلحة بواقعية، بل انغمسنا في مميزاتها واعتصرتنا عيوبها، لذا وجب علينا أن نقف وقفة أمام هذه الأسلحة، ومن توابع التكنولوجيا موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” الذي أصبح الجميع لديه حساب خاص عليه، ويجعل هذا الحساب يتحكَّم به وباهتماماته، يرى العالم والعلاقات من خلاله فقط، ألم تتساءل كيف جعلنا الفيسبوك؟ وكيف جعل العالم أمامنا؟
مؤلف كتاب العيش كصورة.. كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة
طوني عادل صغبيني: مواليد زحلة، لبنان، حائز على ماستر في العلوم السياسية عن أزمة الطاقة وعالم ما بعد النفط، ناشط مدني وبيئي، باحث له دراسات منشورة في عدة جرائد ومجلات لبنانية.
وله مؤلفات عديدة منها: الهروب من السيستيم، لعنة الألفية لماذا يفشل النشاط التغييري.