الكلدانيون والآشوريون
الكلدانيون والآشوريون
قامت حضارة الكلدانيين والآشوريين على أرض كلديا، التي تُسقى بماء دجلة والفرات، والقسم الأسفل من وادي هذه البلاد حديث عن القسم الأعلى، والذي أحدثه جريان النهرين بالإضافة إلى بعض النهيرات الأخرى، وكان هذا القطر سهلًا فسيحًا لا يعاني آثار المرتفعات والمنخفضات، وإنما مستوٍ، وكان ولا يزال عرضة لتغيُّرات جوية مخيفة، ففي الشتاء رياح وثلوج، وفي الصيف حر شديد، وكانت الحيوانات الأهلية المستخدمة هناك هي نفسها المستخدمة عند قدماء المصريين مثل الثور والحمار والضأن، والأنهار والبرك كانت مشحونةً بسمك صالح للأكل.
فهذه البقعة التي تمتد من هضبة إيران في حدود مصبَّي دجلة والفرات كانت معدَّة مثل الدلتا في مصر لأن تكون مهدًا لحضارة عظيمة، ومع توالي الأيام تَكَوَّن فيها دولتان متمايزتان: الأولى دولة عيلام، وتألَّفت من المدائن والقبائل شرقي دجلة، وقاعدتها مدينة شوشة، والثانية دولة كلديا التي تألَّفت من المدن والعشائر المستوطنة غربي دجلة، وهي مؤلَّفة من قطر شومير وقطر أكاد.
وأهم ملوك المملكة الكلدانية (أو البابلية) هو “نابوكودنوزور” (أو نبوخذ نصر)، فقد استرجع الأقاليم الشامية من المصريين في واقعة كركميش، وتقدَّم حتى وصل إلى مدينة الفَرمَا، وبينما كان على وشك الدخول إلى الدلتا وصله نعي أبيه، فعاد لاستلام الحكم، ورمَّم بابل باستخدام أسارى حروبه، وأنشأ في وسط المدينة برجًا هائلًا ذا سبع طبقات، وفوقه تمثال من ذهب.
أما المدائن الواقعة على القسم الأوسط من نهر دجلة فلم يكن لها ذكر، وأُطلق عليها “آشور”، وكان القسم الشرقي منها ترويه نهيرات كثيرة، وفيه كثير من الفلزات والمعادن، وهي خصبة جدًّا تنبت القمح والفاكهة على اختلاف أنواعها، وكانت نينوى وكلخ وأربلة هي المدائن الثلاث الأصلية فيها، وأقدم الملوك الآشوريين الذين وقف الكاتب على أسمائهم لم يكونوا قبل القرن العاشر من الميلاد، وكانوا تابعين لكلديا ثم استقلوا بمرور الأيام، ومدُّوا سلطانهم على بلاد الجزيرة كلها.
تتكون بلاد كلديا من طمي الأنهار، فليس بها أحجار جيرية كثيفة متماسكة، ولذلك استخدم المهندسون الكلدانيون الآجر، وأقدم الآثار في كلديا السفلى هياكل وقصور لملوك كانوا معاصرين للفراعنة الذين أقاموا الأهرام في مصر، أما الآشوريون فساروا على نهجهم، واستخدموا الحجارة الكلسية.
الفكرة من كتاب تاريخ المشرق
المشرق مهدُ الحضارات وأصلها، شهد أقدم الثقافات في العالم، بدأ تاريخه مع بداية الاستيطان البشري، ونهضت عبره العديد من كبرى الإمبراطوريات والحضارات، بَدءًا من حضارة مصر الفرعونية، والحضارتين البابلية والآشورية اللتين قامتا على نهري دجلة والفرات، ومرورًا بالحضارة الفينيقية في سوريا، وحضارة بلاد فارس؛ فهذه الحضارات هي التي تختزل في أعماقها التاريخية العظمة الحضارية لبلاد المشرق.
يتحدَّث غاستون ماسبيرو في هذا الكتاب عن حضارات أربعٍ من الأمم القديمة، فيتناول الأماكن التي سكنوها، ويتحدث عن أصولهم وملوكهم، والإسهامات التي قدموها، والحروب التي دخلوها، ثم ديانتهم، وحِرَفهم وصناعتهم ولغتهم.
مؤلف كتاب تاريخ المشرق
غاستون ماسبيرو Gaston Maspero: عالِم آثار فرنسي من أشهر علماء المصريات، وُلِدَ في باريس عام ١٨٤٦م، وأحْرَزَ تفوُّقًا على أقرانه من علماء المصريات من خلال اطِّلاعه على الآثار المصرية المحفوظة في مُتحف اللوفر، ونقوش المسلَّة المصرية بميدان «لاكونكورد»، وجذب باجتهاده في مجالَيِ الآثار والتاريخ أنظار العمالقة من علماء الكوليج دي فرانس، ومن ثَمَّ تطلَّعوا إلى تنصيبه على كرسي المصريات، ولكنَّ صِغَر سنه حال دون تحقُّق ذلك الأمر، فقرَّروا منحه لقب أستاذ مساعد لمدة يومين، ثمَّ نصَّبُوه بعدها على كرسي علم المصريات، وقد شغل منصب مدير مصلحة الآثار المصرية.
أعاد ترتيب المتحف المصري ببولاق، ونقل محتوياته إلى متحف القاهرة الحالي، واكتُشِفت في عهده مئات التماثيل، وتُوُفِّيَ عام ١٩١٦م، ودُفِن بفرنسا، وقد أُطلِق اسمه على مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري؛ تخليدًا لجهده الحثيث الذي بذله من أجل المحافظة على الآثار المصرية. من أهم أعماله ومؤلفاته:
– الفن المصري.
– حكايات شعبية فرعونية.
– الأغاني الشعبية في صعيد مصر.