القيمة
القيمة
هناك نظريات عديدة عما يجعل العمل الأدبي جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، فقيل إن علامات العظمة الأدبية هي الواقعية والوحدة والابتكار اللفظي والخيال، ويرى بعض النقاد أن الأصالة عامل كبير، فكلما كان العمل الأدبي مخالفًا للعادات والتقاليد أصبح في مكانة عالية، لكن الحقيقة هي أن ليس كل ما هو جديد يستحق التقدير، وليس كل ما هو قديم مصطنعًا وصارمًا لأن مهمة الفن هي تزويدنا بصور حية عن الماضي تساعدنا بتكوين الحاضر، فأكثر الأعمال الأدبية ابتكارًا مستوحاة من النصوص السابقة.
ومع ذلك يمكن للفن أن يبتكر أيضًا، وأن يصوغ شكلًا أدبيًّا جديدًا، لكن أهملت ما بعد الحداثة هذا التوق إلى الجديد لأنها لا تهتم بالأصالة، وإذا حصرنا قيمة الأدب في فتحه آفاقًا جديدة، سنقلِّل من قيمة أعمال عظيمة، وكذلك الادعاء بأن أجمل الأعمال الأدبية هي الواقعية التي تعيد خلق العالم حولنا سيجعلنا نُهمل الخيال العلمي، فيمكن للعمل الأدبي أن يكون واقعيًّا لكنه غير حقيقي، إن قدَّم عالمًا مألوفًا بطريقة سطحية، ويمكن أن يكون العمل غير واقعي، لكن يبدو حقيقيًّا كما في رواية “رحلات جاليفر”.
تشترك الأعمال الأدبية العظيمة التي تتجاوز زمنها في تناول ملامح التجربة الإنسانية التي لا تُفنى كالفرح والألم والموت، لهذا يرى النقاد أن العمل الأدبي رفيع المستوى هو الذي يولد معانيَ جديدة بمرور الزمن، ومع ذلك لا توجد قواعد محددة ثابتة للكشف عن قيمة أي عمل، وإنما يقدم النقد الأدبي معايير عامة تمثل إرشادات لكيفية التوصل إلى تحديد قيمة عمل أدبي، لكنها لا تحدد تلك القيمة لأن هذا يتوقف على التطبيق الإبداعي لهذه المعايير، وبالتالي لا يقيِّم كل الناس عملًا واحدًا بنفس الدرجة.
ولا يعني ذلك أن الأدب الجيد صعب الفهم، فإن أكثر الأعمال الأدبية براعة تعتمد على الانسجام والوحدة، لكن المشكلة الوحيدة أن ليس كل عمل ذو وحدة يكون له معنى، وهناك أعمال لفنانين سورياليين ومستقبليين تعتمد على التنافر وتبدو أكثر سحرًا من الأعمال المُعتمدة على الوحدة.
فلا توجد قاعدة ثابتة، فقد رأى أرسطو مثلًا أن ما يجعل العمل الأدبي استثنائيًّا هو الحدث والسرد، إلا إنه لا يحدث الكثير في مسرحية “في انتظار غودو”، وهي من أعظم مسرحيات القرن العشرين، فحاليًّا أصبحنا لا نقدِّر الحبكة أو السرد، ولا نُعظِّم كذلك من الاعتماد على أسلوب مترف في الحديث، وإنما نُفضل البساطة والوضوح.
الفكرة من كتاب كيف نقرأ الأدب
يبدو فعل القراءة فعلًا سهلًا مقارنةً بدراسة الفيزياء مثلًا، ومع ذلك كثيرًا ما نجد أنفسنا في حضرة الحديث عن كتاب ما ونجد أننا نفتقر إلى العبارات المناسبة لوصفه، لهذا نقدم هذا الكتاب الذي يمنحك بعض الإرشادات لتفادي تلك المواقف مرة وإلى الأبد، حيث يتناول الكتاب خمسة محاور أساسية يجب علينا النظر فيها عند قراءة أي عمل أدبي، أو حتى كتابته، فهذه المحاور ستساعدنا على فهم العمل الأدبي ومن ثم تحليله وتقييمه.
مؤلف كتاب كيف نقرأ الأدب
تيري إيجلتون: منظِّر أدبي بريطاني، وناقد، ومفكر عام، ويعمل حاليًّا أستاذًا في قسم الأدب الإنجليزي في جامعة لانكستر، ويعدُّ الناقد والمنظِّر الأدبي الأكثر تأثيرًا في إنجلترا.
من أعماله: “نظرية الأدب”، و”فكرة الثقافة”.
معلومات عن المترجم:
الدكتور محمد درويش: مترجم عراقي، بدأ بالترجمة منذ السبعينيات، ثم عمل مترجمًا في دار المأمون للترجمة والنشر منذ بدايات تأسيسها حتى تقلَّد منصب رئيس الهيئة الاستشارية للمجلات الصادرة عن دار المأمون، وترجم عديدًا من المقالات من وإلى الإنجليزية.
من ترجماته: “لقيطة إسطنبول”، و”الكفارة”.