القيادة والسياق
القيادة والسياق
إن الأفعال البشرية سواء كانت في إطار القيادة أو غيرها لا تحدُث في فراغ، إذ تكون دائمًا مشروطة بالوقائع الاجتماعية التي يعمل فيها الأفراد، وتُشكِّل هذه الوقائع الاجتماعية جزءًا مهمًّا من السياق، وبناءً على ذلك لا توجد مجموعة قواعد محدَّدة يمكن تطبيقها في جميع الظروف، وهو ما يعني عدم وجود قواعد للسلوك البشري تصح في جميع الأمكنة دون تغيير، فبعض القواعد يمكن أن تعمل في سياق معين، ولبعض الوقت، ومع تغيُّر الظروف والسياق تُصبح غير ملائمة، ولو استمر الإنسان في تطبيقها رغم تغيُّر السياق لوجد نفسه يتعامل مع موقف جديد بينما عقله محشو بقواعد قديمة، أو غير ملائمة للسياق، لذلك لا بد من إدراك أنه لكل مبدأ أو مجموعة من المبادئ حدود يحدِّدها الموقف أو السياق الذي يوضع فيه القائد، وبالتالي فإن كل ما يحتاج إليه القائد هو طريقة تحليل جيدة للسياق الذي يعمل فيه، وإذا وصل إلى تحليل صائب، فإن طريقة التعامل وفق السياق سوف تقترح نفسها، كما سوف يُظهر له التحليل أين تكمن حدودها.
وهناك ثلاثة عناصر للإحساس الفعَّال بالموقف: العنصر الأول المهارات الرصدية والمعرفية، فالقادة يرون ويحسون ما يجري في مؤسساتهم لاستنباط الملاحظات، ثم يستخدمون مهاراتهم الرصدية والمعرفية حتى يؤولوا تلك الملاحظات، فهم يجمعون المعلومات من خلال التفاعل مع الموظفين ويستخدمونها في فهم السياق الذي يطمحون إلى القيادة فيه، والعنصر الثاني المهارات السلوكية والتكيُّفية، فبعد ملاحظة القادة للموقف وفهمه، يقومون بتعديل سلوكهم ويتكيَّفون دون أن يفقدوا إحساسهم بالذات، بالضبط مثل الحرباء التي تتكيَّف مع بيئتها وسياقها دون أن تتوقَّف أبدًا عن كونها حرباء، والعنصر الثالث استخدام القادة لسلوكهم الخاص من أجل تغيير الموقف، فهم يخلقون سياقًا مختلفًا، وليسوا مجرَّد متلقِّين سلبيين للسياق، فهم يعملون مع أتباعهم أو موظفيهم من أجل خلق واقع اجتماعي بديل، ولكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أنه كلما اقترب الإنسان من قمة المؤسسة، فإنه قد يتلقَّى الكثير من المعلومات التي يمكن أن تكون غير موثوقة، وهو ما يثير خوفًا لدى القادة بأنهم قد يتعاملون مع الموقف بناءً على معلومات غير دقيقة أو غير موثوقة، وبالتالي فإن القائد الفعَّال يقوم بالرصد ثم الفهم ثم التكيُّف مع الوضع، أو إعادة كتابة السياق.
ولا بد أن يكون القادة الفعالون فضوليين فيما يخصُّ معرفة البواعث والمهارات والعواطف المتعلِّقة بالأفراد داخل المؤسسة، لأن ذلك يُعدُّ من الأجزاء الجوهرية لفهم السياق الذي يعملون فيه، ويمكن جمع هذه المعطيات من خلال اللقاءات غير الرسمية كالاجتماع على وجبة الغداء، والتنزُّه في عطلة نهاية الأسبوع.
الفكرة من كتاب كيف تكون قائدًا أصيلًا؟ القيادة العظيمة تقتضي أن تكون نفسك بمهارة
يُركِّز الكتاب على شرح الأصالة والقيادة الأصيلة في ظل اضطرابات الحياة الحديثة، إذ أصبح الأفراد لا يشعرون باليقين والأمان والاستقرار في ظل قيادة غير حقيقية، ما شكَّل تهديدًا للعمل والأسرة، لذلك بدأ الطلب يزداد ويتنامى في جميع المؤسسات على القيادة الأصيلة، فالمؤسسات والشركات لم تعُد في حاجة الآن إلى لاعبي الدور، والذين يُحاكون الآخرين، بل أصبحت في حاجة إلى أولئك الذين يكونون أنفسهم.
مؤلف كتاب كيف تكون قائدًا أصيلًا؟ القيادة العظيمة تقتضي أن تكون نفسك بمهارة
روب جوفي: هو أستاذ السلوك المؤسساتي في مدرسة لندن لإدارة الأعمال، وقد نشر العديد من الكتب والمقالات في مجالات بحثية وإدارية مختلفة.
جاريث جونز: هو أستاذ زائر في (إنسيد) وزميل في مركز الإدارة والتنمية في مدرسة لندن التجارية، وعمل مديرًا للمصادر البشرية والاتصالات الداخلية في هيئة الإذاعة البريطانية، وله مقالات منشورة في مجلة الإدارة الأوروبية.
وقد اشترك المؤلفان معًا في تأليف كتاب “شخصية شركة”، إلى جانب كتاب “كيف تصبح قائدًا أصيلًا؟”.
معلومات عن المترجم:
أسامة إسبر: هو أديب ومترجم سوري، من مؤلفاته:
شاشات الشعر.
ميثاق الموج.
مقهى المنتحرين.
ومن ترجماته:
أحلام أينشتاين.
المريض الإنجليزي.
نهاية البشرية.