القيادة والإدارة في عهد الخلفاء الراشدين
القيادة والإدارة في عهد الخلفاء الراشدين
إن في سير الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم) دروسًا في القيادة والإدارة بالغة الأهمية، وتستحق البحث والدراسة، فالخليفة أبو بكر (رضي الله عنه) قاد دولته بأسلوب التفويض، وكان حين يكلف شخصًا ما بمسؤولية يوضح له المبادئ الأساسية التي يتصرف على أساسها، ولا يرجع إليه إلا إذا استشكل عليه أمر ما، وبعد تولي الخليفة عمر (رضي الله عنه) الخلافة، استخدم أسلوبًا مختلفًا وهو الأسلوب المركزي، إذ كان يطالب ولاته وقادة الجيش بتنفيذ أوامره بدقة، والرجوع إليه في أغلب المسائل، وهذا الأسلوب الإداري يصعب تطبيقه في الوقت الحاضر
وقد يطلق عليه البعض ديكتاتورية، لكن الخليفة لم يكن ديكتاتورًا بالمعنى الشائع، بل دفعه اهتمامه الشديد بالحفاظ على حق الله وحقوق العباد والدولة، وتطبيق شرع الله في كل الأمور، وبهذه المركزية العمرية دُمِّرت حصون الأعداء وقلاعهم، وكانت الدولة الإسلامية في عهده عظيمة القدر وذات مكانة عالية.
ومن الدروس التي نتعلمها من الفاروق (رضي الله عنه) التكليفات الإدارية، أي تكليف شخص بمسؤولية، فعندما أراد أن يختار واليًا على حمص، كانت الأمانة أولى الصفات التي يبحث عنها في الشخص قبل كفاءته ومهارته، فطرأ على ذهنه الصحابي سعيد بن عامر (رضي الله عنه)، فاستدعاه وعرض عليه ولاية حمص، وهو أمر يرغب كثيرون به، لكن سعيدًا رفض الولاية، وقال: “لا تفتنّي يا أمير المؤمنين”، فرد عليه الخليفة بحزم: “والله لا أدعك، أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي، ثم تتركوني؟”، مطالبًا إياه بترك الورع والإقدام على طاعة أخرى لله، لأن الدول لا تدار بالزهد والانقطاع عن الدنيا، فوافق سعيد وانتقل إلى حمص، وأصابت فراسة الفاروق، فشهد أهلها لسعيد، وكان ذلك نموذجًا لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب والزمان المناسب.
وهذه القصة توضح كيفية اختيار المسؤولين وكيف ينظر من يُرَشَّحون إلى الأمر، فهو تكليف وليس تشريفًا، ومن يبحث عن المنصب بهدف التشريف فهو يتولى أمانة تفوق قدرته وستصبح عبئًا عليه، ويغلب ألا ينجح في تأديتها، أما من تجيء إليه المناصب ويثق به ولي الأمر، ينبغي له قبول المنصب بدافع أداء الأمانة بما يعود بالنفع على الناس.
الفكرة من كتاب لماذا نعمل 8 ساعات؟ قصص وتجارب من عالم الإدارة والقيادة
في هذا الكتاب دعوة إلى إعادة النظر في نظام العمل الحالي، ومدى ملاءمته للتطور التكنولوجي الحديث، كما أنه يعود بالزمن إلى شخصيات إسلامية عظيمة، للاستفادة من تجاربهم، والاقتداء بهم وبمبادئهم وأخلاقهم الحسنة، وعلى رأسها الأمانة، إذ حققوا إنجازات كبيرة وكانوا عزًّا للإسلام والمسلمين، ويمكن للمديرين والقادة الاستفادة منها في الوقت الحاضر وتطبيقها في المؤسسات والشركات في المجالات المختلفة.
مؤلف كتاب لماذا نعمل 8 ساعات؟ قصص وتجارب من عالم الإدارة والقيادة
عبد الله العمادي: كاتب صحفي ومؤلف، كتب كثيرًا من المقالات اليومية والأسبوعية والدورية في صحف محلية وعربية، ولديه مدونة شخصية بعنوان «أطياف»، يكتب فيها عن تعزيز الذات وبناء الشخصية، ويعبر عن رأيه في القضايا العامة، ومن مؤلفاته:
«لا تكن حجر شطرنج».
«منارات».
«أشياء يفعلها السعداء».