القلق، اضطراب أم طبيعة إنسانية؟
القلق، اضطراب أم طبيعة إنسانية؟
إن المشاعر لا يمكن انتزاعها، فهي متأصلة فينا، موجودة منذ الأزل، مرتبطة بالوجود الإنساني نفسه، والقلق ضمن هذه المشاعر، فبمجرد ولادتك يولد معك الشعور بالقلق، لكن ما الذي يجعل هذا الشعور مزعجًا عند كثير منا؟ إن ما يميز القلق أنه شعور مفاجئ، يختلط بغيره من الأعراض، ولا يظهر بصورة واحدة، وإنما يأتي بأشكال عدة بناءً على شخصية الفرد وطبيعته، مما يمنع تعميم الحلول في مواجهته، لذا نرى العلاج الوجودي لا ينظر إلى القلق على أنه مشكلة عابرة قد نتحكم في عوارضها، وإنما القلق يساعدنا على فهم كِيان الفرد واستيعاب معطياته.
فكما يسود البشرَ شعورٌ بالبهجة والفرح، يسودهم شعور بالحزن والقلق، وكلا الشعورين مطلوب حتى نحيا حياة مليئة بالمعاني، لذا نجدُ كثيرًا من الفلاسفة قد وصفوا القلق بأنه جوهر الطبيعة الوجودية للإنسان، في حين قال آخرون: إن القلق مصدر الإبداع، فالقلق ينبعث فينا من إدراكنا لطبيعة حياتنا الزائلة، أو من أمورٍ لم ندرك ماهيتها بعد، ولا نعلم هل سننجح في التعامل معها أم لا، قد نظن حينها أن علينا تلافي مشاعر القلق، أو تجاهلها، فإن فعلنا حُلَّت الأزمات، وابتعدت المشكلات، في حين أن هذا التعامل لا يزيد المشكلات إلا تفاقمًا، فهو أشبه بالمُسَكِّن الذي يُهدِّئ وطأة المشكلة مع أنها لا تزال قائمة، لذا يهدف العلاج الوجودي إلى تمكيننا من مواجهة تلك المشكلات، لا الهرب منها أو إنكارها.
إن المشاعر قد تكون سلاحًا ذا حدين، فإذا استسلمنا للقلق، وتجنبنا كل المواقف التي تقلقنا، فنحن بذلك سلمنا أمرنا إلى القلق، مما يجعلنا نخاف كل خبرات الحياة غير المجربة، ونبقى في دائرة مغلقة من القلق، بينما قد يساعدنا القلق على استبصار طرقنا واكتشاف فرص جديدة إذا أحسنَّا استغلاله، فقد يكون بعض الضيق دافعًا إلى الشعور بالمسؤولية، مما يشعرك بأنك ما زلت على قيد الحياة، فمعرفتنا بأن ما نُقدِم عليه قد يحوي الفشل كما يحوي النجاح، هي التي تميز تجاربنا الحياتية، فنحن بذلك ندرك أننا ما زلنا نخوض غمار الحياة، وبدلًا من الهرب من شعور القلق، نستطيع أن نجعله مصدرًا لنماء حياتنا وازدهارها من جديد.
الفكرة من كتاب القلق والغضب من منظور وجودي
في أيامنا المتتالية ينتابنا مزيج من المشاعر، فتارة نشعر ببهجة عارمة، وتارة أخرى نشعر بالضيق والخوف، تارة نشعر بالرضا، وتارة نشعر بالغضب، لا تتوقف حال المرء عند شعور واحد، ولكننا نجد أنفسنا نَصِف بعض المشاعر بصورة حسنة مقبولة، وأخرى نخافها ونمتعضها، ونتمنى لو كان من الممكن أن تختفي، ونتساءل عن سبب وجودها، فلماذا ينتابني الضيق والقلق والغضب؟
تلك المشاعر التي قد لا نفهمها ولا نستطيع التعامل معها، وأحيانًا قد تتملكنا عند حدوث أبسط المواقف، وقد يشعر أحدنا بوجود طاقة رهيبة من الغضب تنطلق بداخله على الرغم من إدراكه أن الموقف الذي هو فيه موقف بسيط للغاية، فما أسباب هذا الغضب وأشكاله؟ وكيف يمكننا التعامل معه ومع بقية مشاعرنا؟ كيف لنا أن نفهمها، ونجعل منها دافعًا لنا للانطلاق في غمار الحياة؟ لنناقش تلك الأسئلة من منظور وجودي.
مؤلف كتاب القلق والغضب من منظور وجودي
إيمي فان ديورستن: فيلسوفة، ومعالجة نفسية وجودية، وأستاذة زائرة في العلاج النفسي بـ«جامعة ميدلسكس | Middlesex University»، حصلت على الماجستير في علم النفس الإكلينيكي من «جامعة بوردو | University of Bordeaux»، والدكتوراه في الفلسفة من «جامعة سيتي | City, University of London»، كانت أول رئيسة في المجلس البريطاني للعلاج النفسي، وكان تطبيقها لأفكارها الفلسفية على علم النفس والعلاج النفسي باعثًا على ترسيخ المدرسة الوجودية في بريطانيا، أسست مدرسة العلاج النفسي والإرشادي في «Regent’s College»، وجمعية التحليل الوجودي، والمدرسة الجديدة للعلاج النفسي والاستشارات.
لها إسهامات عديدة من تأليفٍ وتحريرٍ للعديد من الكتب، ومن أهمها:
Existential Counselling & Psychotherapy in Practice
Everyday Mysteries: A Handbook of Existential Psychotherapy
معلومات عن المترجم:
مازن المريح: مترجم مصري وباحث في علم النفس، وله اهتمام خاص بعلم النفس الوجودي.