القراءة المثمرة
القراءة المثمرة
كثيرٌ منا يشكون أنهم لا يقرؤون كما يجب أن يقرؤوا، فهم إما ينسون ما يقرؤون، أو لا يستطيعون القراءة بسرعة أو التركيز فيما يقرؤون، وهذه الشكاوى ترجع إلى أمرين: إما أنها عيوب حقيقية تحتاج إلى مراجعة المتخصصين، أو بسبب كونهم لا يعرفون كيفية القراءة المثمرة، ومما يجعل القراءة أكثر فائدة وأسرع زمنًا معرفتك بأن الكاتب لا يضع كلماته هكذا دون داعٍ، وإنما هي تعبِّر عن أفكاره، وهذه الأفكار تأتي في تسلسل منطقي في انتظام عقلي معروف، وإذا وضعت نصب عينيك مهمة معرفة فكرة الكاتب وأنت تقرأ، ستجد نفسك تقرأ قراءة الفاهم المدقِّق، وقليلًا قليلًا ستستطيع معرفة الفكرة الكلية التي يقصدها الكاتب، وحاول كتابة ملخَّص لما تقرؤه، فذلك سيساعدك على جعل الفكرة لديك بغاية الوضوح، ويجعلك تعتاد التفكير المنظَّم.
ومما يساعد أيضًا على القراءة السريعة المثمرة، تعوُّد العين أن ترى دائرة أوسع في كل مرة ترى فيها صفحة الكتاب، فهذا يجعل الذهن يعتاد التقاط الكلمات، وربطها بالأفكار في مرة واحدة، وبالتالي تكتسب مرونة العين، ومرونة متابعة الذهن للعين، وهناك بعض العادات السيئة التي يساعدك الإقلاع عنها على اكتساب مهارة القراءة السريعة، فهناك من يقرأ جملتين ثم يعود إلى قراءتهما مجددًا، وهذا الارتداد إلى الوراء يضيع الوقت، ويجعلك عاجزًا عن متابعة الفكرة التي تقرأ عنها، وللإقلاع عن هذه العادة، ينبغي الانتباه بقدر الإمكان إلى ما تقرأ، وأن تقرأ دون العودة إلى الوراء، كما أن أكثر من يعودون إلى الوراء يفعلون ذلك كنوع من التردُّد، ورغبةً في التأكُّد مما قرؤوا، ولكنه في الحقيقة نوع من الوسوسة يغذِّيه الاستمرار فيه ويقتله تجاهله، وبهكذا تكتسب عادة الثقة من أنك تفهم ما تقرأ.
كما أن القراءة بصوتٍ عالٍ تُكسِب قراءتنا فائدة وقوة تأثير، ولقد لوحظ أن من يقرؤون بصوت عالٍ لديهم قدرة أعلى على فهم ما يقرؤون، لأنهم في هذه القراءة يتمرَّنون على تقسيم الكلام حسب معناه في أدائهم الصوتي، وهذا يجعلهم يلمحون المعنى والفكرة في سرعة، وعندما تتمرَّن على القراءة بصوتٍ مسموع لفترة ستكتسب مهارة القراءة بهمس أو بالعين، فتتعوَّد على سرعة لمح المعنى، وهكذا تمضي في القراءة الصامتة السريعة.
الفكرة من كتاب العالم بين دفَّتي كتاب.. دراسات في فن القراءة
هل تقرأ؟ وإن كانت إجابتك بنعم، فهل تقتصر قراءتك على قراءة الصحف اليومية؟ أحب أن أخبرك أن هذه ليست القراءة التي أقصدها، بل المقصود هنا هو قراءة الكتب، وإن كنت تقرأ الكتب، فماذا تقرأ؟ ولماذا تقرأ؟ وكيف تقرأ؟ وكيف تختار كتابًا لتقرأه؟ جميع هذه الأسئلة الكثيرة تدور في خلد العديد من الناس، ولا يقتصر الأمر على القراء فقط، بل حتى غير القرَّاء الذين يرغبون في البدء في القراءة، ولكنهم لا يعرفون السبيل إلى ذلك.
ولذا جاء هذا الكتاب ليقدِّم لنا دليلًا عن كيف تنمِّي مهارة القراءة لديك، وتجعلها قراءة مثمرة، كما تحدَّث عن تاريخ الكتب والقراءة والمكتبات في العالم، وهذا الكتاب هو جهد من جهود التشجيع والحثِّ على القراءة، ونبراسًا يعينك على التغلُّب على مشاقِّها، ويضاعف متعتها والفائدة المكتسبة منها، وقد كان هذا الكتاب نتاج مؤتمر تعاون نحو سبعين معنيًّا بالأمر في كتابته، وقامت الدكتورة “سهير القلماوي” بترجمته، وأضافت إليه الكثير ليناسب القرَّاء في الوطن العربي.
مؤلف كتاب العالم بين دفَّتي كتاب.. دراسات في فن القراءة
سهير القلماوي : روائية وكاتبة ومترجمة وناقده أدبية وسياسية بارزة مصرية، كانت من أوائل السيدات اللائي ارتدن جامعة القاهرة، وفي عام (1941) أصبحت أول امرأة مصرية تحصل على الماجستير والدكتوراه في الآداب لأعمالها في الأدب العربي، وبعد تخرُّجها، عيَّنتها الجامعة كأول مُحاضِرة تشغل هذا المنصب، وكانت أيضًا من أوائل السيدات اللائي شغلن منصب الرؤساء؛ من ضمن ذلك رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة، ورئيسة رابطة خريجات جامعة المرأة العربية، كما نالت العديد من الجوائز مثل: جائزة مجمع اللغة العربية، وجائزة الدولة التقديرية، والدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية.
أصدرت العديد من المؤلفات والترجمات، ومن أبرز مؤلفاتها: “أحاديث جدتي”، و”ألف ليلة وليلة”، و”الشياطين تلهو”، و”ثم غربت الشمس”، و”ذكرى طه حسين”، أما عن ترجماتها فمن أبرزها: “ترويض الشرسة”، و”قصص صينية” لبيرل بك، و”هدية من البحر”، و”رسالة أيون” لأفلاطون.