القادة والمسافة الاجتماعية
القادة والمسافة الاجتماعية
إن القادة الفعالين قادرون على إثارة مستويات من الاستجابة العاطفية والولاء والتعاطف والتآلف والاحترام مع أولئك الذين يقودونهم، وإلى جانب ذلك يكونون أيضًا قادرين على إيصال إحساس بالجدية لتذكير الأتباع بالعمل القائم والهدف النهائي للمسعى الجماعي، إذ إن ذلك يُساعد القادة على الانتقال بمهارة من القرب إلى البُعد والعودة ثانيةً، فهم يقتربون من أتباعهم مع الاحتفاظ بمسافتهم، وبناءً على ذلك فإن الإدارة الماهرة للمسافة الاجتماعية تزداد أهمية يومًا بعد يوم، إذ إن الهرمية والانتقال عبر التراتبية الثابتة التي تجعل كل فرد في المؤسسة مرتبطًا بالذي يليه قد منحت الأفراد وهمًا بأنهم قادة، وقد اعتمد المدير على التراتبية كعكَّاز لتأسيس المسافة الاجتماعية، وفي ظل تلاشي الهرمية، نظرًا إلى ازدياد الحاجة إلى سرعة الاستجابة لرغبات الزبون وتغيُّرات السوق، فإن القادة أصبحوا في حاجة إلى الإدارة الماهرة للمسافة الاجتماعية لكي يروا كل ما يمكن أن يصوغ مستقبل المؤسسة، وبالتالي فهم في حاجة إلى القرب ليعرفوا ما يمكنهم من بناء مستقبل المؤسسة.
كما يقدِّم الإحساس بالقرب فائدتين، الفائدة الأولى تُمكِّن القائد من معرفة أتباعه وفهمهم، الفائدة الثانية تُمكِّن الأتباع من معرفة المزيد عن القائد، وبالتالي فإن القرب يُقدِّم سياقًا لكشف القوة والضعف، ومع ذلك يميل جميع القادة إلى تفضيل القرب أو البُعد، فنجد القائد الفرنسي “شارل ديجول” كان ممن يفضِّلون البُعد لتعزيز هيبته وسلطته، ولم يتخلَّ أبدًا عن الرسمية، وذلك من خلال تجنُّب الدخول في أي نوع من أنواع الصداقة مع زملائه، بل وكان ينقل موظفيه بعد فترة محدَّدة من أجل تجنُّب الأُلفة! وللأسف هناك قادة كثيرون يُفرطون في بُعدهم الاجتماعي، ويُبدون كأنهم يُعلِّقون عواطفهم حين يدخلون إلى المكتب أو العمل، تمامًا مثلما حدث في عهد “تايلور” الذي نصح العمَّال بأن يُعطِّلوا أدمغتهم، وبناءً على ذلك نجد أن مفهوم الذكاء العاطفي قد أصبح له رنين لدى المديرين التنفيذيين، إذ يستخدمون عواطفهم لتحرير طاقات الآخرين، والقضاء على وباء التوتر في العمل.
وكما أن البُعد قد يكون غير نافع، فإن القرب قد يكون غير نافع أيضًا إذا كان غير ناضج أو غير أصيل، وبالتالي تكون المسافة مطلوبة، كأن يجد القائد نفسه في موقف معقَّد، فيحتاج إلى المسافة الاجتماعية من أجل رؤية الصورة كاملة، وبناءً على ذلك، لا بد أن يكون القائد مدركًا للسياق، ومتى يكون قريبًا ومتى يكون بعيدًا؟ ومتى يُبدِّل بين القرب والبُعد، ومن ثمَّ يجب أن يكون القرب أو البُعد متناسبًا مع أسلوب القائد وشخصيته والموقف الذي يواجهه.
الفكرة من كتاب كيف تكون قائدًا أصيلًا؟ القيادة العظيمة تقتضي أن تكون نفسك بمهارة
يُركِّز الكتاب على شرح الأصالة والقيادة الأصيلة في ظل اضطرابات الحياة الحديثة، إذ أصبح الأفراد لا يشعرون باليقين والأمان والاستقرار في ظل قيادة غير حقيقية، ما شكَّل تهديدًا للعمل والأسرة، لذلك بدأ الطلب يزداد ويتنامى في جميع المؤسسات على القيادة الأصيلة، فالمؤسسات والشركات لم تعُد في حاجة الآن إلى لاعبي الدور، والذين يُحاكون الآخرين، بل أصبحت في حاجة إلى أولئك الذين يكونون أنفسهم.
مؤلف كتاب كيف تكون قائدًا أصيلًا؟ القيادة العظيمة تقتضي أن تكون نفسك بمهارة
روب جوفي: هو أستاذ السلوك المؤسساتي في مدرسة لندن لإدارة الأعمال، وقد نشر العديد من الكتب والمقالات في مجالات بحثية وإدارية مختلفة.
جاريث جونز: هو أستاذ زائر في (إنسيد) وزميل في مركز الإدارة والتنمية في مدرسة لندن التجارية، وعمل مديرًا للمصادر البشرية والاتصالات الداخلية في هيئة الإذاعة البريطانية، وله مقالات منشورة في مجلة الإدارة الأوروبية.
وقد اشترك المؤلفان معًا في تأليف كتاب “شخصية شركة”، إلى جانب كتاب “كيف تصبح قائدًا أصيلًا؟”.
معلومات عن المترجم:
أسامة إسبر: هو أديب ومترجم سوري، من مؤلفاته:
شاشات الشعر.
ميثاق الموج.
مقهى المنتحرين.
ومن ترجماته:
أحلام أينشتاين.
المريض الإنجليزي.
نهاية البشرية.