الفيروسات المستديمة
الفيروسات المستديمة
لا شك أن التحدي الذي يؤرق الفيروسات هو بقاؤها حية، حيث إن جهاز المناعة غالبًا ينجح في القضاء عليها ويمنع تكاثرها وبالتالي أصبحت الفيروسات معرضة للفناء، ومن هنا تعلمت بعض المراوغات بهدف البقاء ونجحت في إيجاد وسائل تسمح بالتغلب على الآليات المناعية، وتتمحور تلك الوسائل حول ثلاث طرق رئيسة: إما البحث عن مكان يختبئ فيه الفيروس من المناعة، أو استغلال المناعة وتطويعها لصالح الفيروس، أو محاولة خداع المناعة بسرعة التحور، فتطوَّرت بذلك معظم الفيروسات المستديمة، وأصبحت لا تسبِّب سوى أعراض طفيفة تسمح لها باستمرار حياتها، لأن المرض الشديد لا يهدِّد حياة العائل فقط، بل يهدِّد وجود الفيروس وحرمانه من مسكنه.
عائلة فيروس الهربس، على سبيل المثال، هي فيروسات من نوع الـDNA مغلفة كبيرة الحجم يزيد عددها على مائة وخمسين نوعًا مختلفًا، وتميل إلى الانتشار عن طريق التلامس والاتصال المباشر بين المصاب والإنسان الصحيح، كذلك تنتقل من الأم إلى الطفل مباشرة عن طريق الرضاعة، وما يحدث في عدوى الهربس هو مصطلح (العدوى الكامنة)، ويعني أن الفيروسات بعد إصابة خلايا العائل تتوقَّف عملياتها الحيوية من تكاثر وإنتاج بروتينات المادة الوراثية، ويظل كامنًا سنوات حتى التعرُّض لعوامل مؤثرة مثل الضغوط العصبية أو البرودة الشديدة فيبدأ ظهور الأعراض، أما غير ذلك فهو كامن لا يسبِّب أي ضرر، وأماكن وجوده في الضفائر العصبية للعصب الخامس في حالة LHSV1، والضفائر العصبية العجزية في حالة HSV2 وكلاهما مسؤول عن أحاسيس كل منطقة، مما يفسر الشعور بالألم عند نشاط الفيروس.
وهناك أيضًا فيروس نقص المناعة البشري (HIV) هو فيروس من عائلة الفيروسات القهقرية ينتقل عن طريق الجنس وتبادل استخدام الحُقن بين مدمني المخدرات، وفي أثناء نقل الدم أو أي اختلاط دموي بين مصاب وسليم، من المعروف أن الخلايا المناعية بشكل أساسي إما خلايا تائية مساعدة أو قاتلة، أو خلايا بائية، بمجرد دخول الفيروس الجسم تنقله خلايا المناعة في الجلد (خلايا لانجرهانز) إلى الغدد الليمفاوية، ثم تصيب الفيروسات الخلايا التائية المساعدة، لأنها حاملة لوسم مميز وهو CD4 تبحث عنه فيروسات الـHIV، وبمجرد إصابة الخلايا التائية بواسطة الفيروس تنقله إلى أنحاء الجسم المختلفة محافظة للفيروس على مكان مستمر لسنوات في رحلته بين الأعضاء.
الفيروسات الكبدية أيضًا من الفيروسات المستديمة وتبقى داخل خلايا الكبد طول العمر وبالأخص الفيروس الكبدي (ب) و(ج)، حيث يُفترض أنها تحجب آليات المناعة المضادة للفيروسات داخل الخلايا المصابة من خلال منع إنتاج السيتوكينات.
الفكرة من كتاب الفيروسات.. مقدمة قصيرة جدًّا
يشهد العالم اليوم حالات تفشٍّ حادة لفيروسات خطيرة على غرار فيروس نقص المناعة البشري وأنفلونزا الخنازير وسارس وحمى لاسا، والأشد فتكًا فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
تشرح دوروثي بدايةً ماهية طبيعة الفيروسات وأساليب حياتها والآثار التي تسبِّبها والأضرار التي تُحدثها في صحة الإنسان، كما توضح سبل مكافحة المناعة وآلية عملها بعامةٍ في أثناء أي هجوم وخصوصًا هجوم الفيروسات، كما تبين كيفية استدامة بعض الفيروسات داخل الجسم طول العمر، وعلاقتها بكثير من الأورام السرطانية ومدى ارتباطها بها.
مؤلف كتاب الفيروسات.. مقدمة قصيرة جدًّا
دوروثي إتش كروفورد Dorothy H. Crawford: أستاذة الميكروبيولوجيا الطبية في جامعة أدنبرة بالمملكة المتحدة، ومدير مساعد لمؤسسة (الفهم العام للطب)، ومن مؤلفاتها:
العدو الخفي.
تاريخ طبيعي للفيروسات.
الرفيق المُهلك: كيف شكلت الميكروبات تاريخنا.