“الفوضى سُلم”.. قيام دولة بني عباد
“الفوضى سُلم”.. قيام دولة بني عباد
فطن القاضي أبو القاسم بن عباد، حاكم إشبيلية الآن، إلى خريطة القوى السياسية في الأندلس، وأدرك صعوبة تجميعها أو كبحها، فعمد إلى تجييش بعضها على بعض، ولما كانت آفاق توسعاته محدودة بمناطق البربر، متمثلين في بني حمود وقتذاك، أراد إضعاف قوتهم، فتزعم حركة مناهضة للإفريقيين والصحراويين، يتعاون فيها مع العرب والصقالبة، ويهدفون إلى توحيد الأندلس تحت قيادة عربية وإخماد نفوذ البربر، ولما كانت أسطورة الخليفة هشام المؤيد، ما زالت حية في وجدان الأندلسيين، قرر القاضي ممارسة ألعاب الأسطورة والسياسة، فادعى وجود الخليفة في إشبيلية، وقد تاقت نفوس الناس إلى زمن الأمويين، فتوافدت إليه البيعات من عديد الجهات، إما تقودها المصلحة الخاصة، وإما مجرد الاتباع، وقد مات القاضي سنة 433 هجرية، بعد أن أسس دولة بني عباد، وتركها قوة كبرى بين ملوك الطوائف.
خلف المعتضد بالله بن عباد والده على إشبيلية، وكان وارثًا لعزيمة القاضي وسعة حيلته، وقد زاد عليه بالشدة البالغة والحزم المتناهي، وعلى ذلك كان أديبًا ذواقًا للشعر ومقدرًا للعلم والأدب، ولكنه كان مصابًا بآفة ذلك العصر، لا يثنيه شيء عن مراده، ولا تعجزه حيلة، ولا يكبحه عهد أو ذمة، وقد سار على طريق أبيه، واستلم مع إرثه قيادة التحالف العربي، ولكنه طمع أيضًا في الزعامة الاسمية، فانتظر الفرصة المواتية، وأعلن وفاة الخليفة، وأنه عهد إليه بحكم الأندلس بعد وفاته.
في جبهة أخرى لا يهتم لها الملوك المتنازعون على البقايا، كانت كتائب القشتاليين تنتهب حدود المسلمين دون رادع، ولم يقف لهم لا المعتضد أقوى ملوك الطوائف وقتها، ولا غيره على أي جبهة، كان هذا السلطان الباغي على غيره، المتسلط على قومه، المقتحم لكل لذة، لا يجد وسيلة لمقاومة فرناندو، سوى الهدايا والتوسل العلني ليترك مملكته وشأنها، ولم يقلق مضجعه سوى زيادة خطر المرابطين في مراكش، واقترابهم من حدود الأندلس، لم يخطر بباله أن هذا الخطر سيكون رجاء أحفاده وأمل دولته الأخير، مات المعتضد عام 461 هجرية، وورثه ابنه محمد أبو القاسم، الذي سمى نفسه المعتمد على الله، رجل حكايتنا.
الفكرة من كتاب المعتمد بن عباد
اشتهر المعتمد بن عباد بين ملوك الطوائف بمغامراته في الأندلس، وطرائفه مع زوجته الرميكية، وكان واحدًا من ملوك العرب المعدودين الذين برعوا في الشعر، فكانت أتفه الحوادث والمناظر تثير نفسه، وتسعفه قريحته في كل مرة، حتى ليمكننا تتبع سيرته من خلال قصائده، فقد كانت مستودعًا لجميع آماله وأحزانه. عاش المعتمد في عصر حاوط دولته فيه العدو والصديق، وتقاذفته السياسة بينهما، يوالي أحدهما على الآخر، بحسب ما يقتضي الحال، حتى أهلكته هذه الطريقة، فكانت مأساته جديرة بختام أسرة الملوك الشعراء.
مؤلف كتاب المعتمد بن عباد
علي أدهم: أديب وباحث، وُلد بالإسكندرية عام 1897 م، وتوقفت دراسته عند شهادة البكالوريا، عمل في وزارة المعارف، ورأس مكتب وزيرها، طه حسين، كما عمل أيضًا في لجنة التأليف والترجمة والنشر، تنوعت مؤلفاته بين الدراسات الفلسفية والأدبية والتاريخية، ومن أهمها:
صقر قريش.
بين الفلسفة والأدب.
تلاقي الأكفاء.
الجمعيات السرية.