الفهم أولًا
الفهم أولًا
لا بدَّ من تحليل المفهوم الذي نحن بصدد الحديث عنه وعن تاريخه وحاضره ومستقبله وآثاره ألا وهو مفهوم الحركة الإسلامية، وبقدر ما لهذه الخطوة من بداهة- أي خطوة تحليل المفهوم- بقدر ما تكون منشأ الانحراف والضلال عن جوهر القضية إذا نوقشت بطريقة خاطئة، وبدايةً هناك لفظ يعبر عن كل فعل في الوجود يكون عن قصد من فاعله ألا وهو لفظ البيان، فالحركة الإسلامية بيان لكونها خطابًا وجوديًّا حركيًّا، تهدف لإيصاله إلى الآخر عن طريق أشكال التعبير المختلفة قولًا وفعلًا، مما يدل على وجودها “كحركة” في المجتمع، وهذا الذي سبق عرضه بمثابة مختصَر للمفهوم، نأتي للحركة نفسها ما هي؟ هل هي تعبير ديني أم حركة وطنية أم توجه سياسي أو حركة مأجورة؟ هل هي قديمة أم حديثة؟ وهل هي مهددة للمجتمعات واستقرارها أم هي ظاهرة صحية تحتاج إلى إرشاد وتوجيه كسائر الحركات الأخرى؟
الإجابة عن سؤال كهذا لن تخلو من تحيزات مسبقة، ولذا علينا أن نقرِّر بداية أنه لن يمتلك أحد الإجابة الكافية الشافية المجملة والصادقة عن تعريف كهذا، فضلًا عن كونها ظاهرة معقدة حيَّة في وجدان المجتمع الحاضر والتاريخ الماضي، ولقد حاول كثير من الدارسين تفسير تلك الحركة لأغراض وأهداف شتى، فمثلًا الباحث المغربي محمد سبيلا عند دراسته لظاهرة التطرف وباعتبارها ترجع عنده إلى أسباب محددة؛ فإنه يخلط بين ما هو تطرف سياسي وما هو يساري، ومثال آخر الدكتور برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في السربون في باريس يعد الحركة الإسلامية امتدادًا لحركة المقاومة الوطنية في مظهر جديد، وغيرهم كثير، إلا أنه من المهم أن ندرك أن إرجاع ظاهرة الحركة أو الصحوة أو التجديد الديني إلى أي سبب من الأسباب المطروحة بشكل مطلق لن يصل بنا إلى نتيجة واضحة كسائر الظواهر التي تُفسَّر بناء على نفس الأسباب السياسية والاقتصادية والقومية وغيرها.
من المثير للدهشة أن تلك التفاسير للحركة الإسلامية أهملت في طريقها السبب الديني نفسه! إن من يعي الدين الإسلامي يدرك أنه دين وجودي حركي في الزمان والمكان، لذا من المنطقي والطبيعي أن تنتج عنه الدعوة أو الإصلاح أو الصحوة أو التجديد أو غيرها من المصطلحات، لأن ذلك هو طبيعة هذا الدين (الحركة والدعوة)، وهذا المعنى مكرر في نصوص الوحي قرآنًا وسنة، ومنثور فيهما بتعدد الألفاظ والسياقات المختلفة، ونحن هنا لسنا بصدد الحكم على الواقع أو تبرئته، ما زلنا في مرحلة فَهم الأمور على حقيقتها وإدراك الأشياء على ما هي عليه أولًا؛ إذًا حركة التجديد أو الإصلاح ليست جديدة قد تكون بواعثها قد تغيَّرت وستتغيَّر كما تتغيَّر أدواتها ووسائلها، إلا أنها تبقى حركة منشؤها الدين في النهاية وإن انحرفت بوصلة مُطبِّقيها.
الفكرة من كتاب البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي
“إن مفتاح العمل الدعوي الإسلامي رهين أولًا وقبل كل شيء بتحقيق إسلاميته في نفسه! أي إنه لا بدَّ من مراجعة التصورات والمفاهيم والمناهج وسائر الوسائل التي تتبنَّاها هذه الجماعة أو تلك، أو يعرضها هذا المفكر أو ذاك كمشروع لتجديد الدين وإقامته في المجتمع”.
في عرض تفصيلي تحليلي مكثَّف يعرض الكاتب في هذا الكتاب القضية الإسلامية السياسية ليفحصها من جذورها، ويتدرَّج بالقارئ شيئًا فشيئًا، فيضع النتائج أمامه واضحة بيِّنة متوافقة مع الواقع ليجعله يتساءل متى التطبيق؟!
مؤلف كتاب البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، كان عضوًا برابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهو أستاذ كرسي التفسير بالجامع العتيق لمدينة مكناس، وخطيب جمعة وواعظ بعدد لجوامع مدينة مكناس.
له العديد من المؤلفات والكتب منها:
كاشف الأحزان ومسالح الأمان، والدين هو الصلاة والسجود لله باب الفرج، وبلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق.