الفلسفة والموقف الطبيعي
الفلسفة والموقف الطبيعي
كان الخلط بين الموقف العلمي والطبيعي سائدًا في المرحلة المسماة “الفترة قبل العلمية”، وهي ما قبل القرن الثامن عشر، وهذا الخلط الحاصل في تاريخ الفلسفة بين الموقفين كان مسؤولًا عن عدد كبير من الأخطاء التي ارتكبت في مَيدان نظرية المعرفة، ففي الفلسفة القديمة نظر الفلاسفة إلى الموقف الطبيعي على أنه يمثل العلم في ذاته، فطبيعة الأشياء يمكن أن تفهم فهمًا كاملًا من خلال الموقف الطبيعي ومن غير حاجة إلى البحث عن أي صورة أخرى، وفي عصر انفصال العلم عن الفلسفة حصل الخطأ نفسه عكسيًّا، فقد حاسب الفلاسفة الموقف الطبيعي عن عجزه عن تفسير الظواهر العلمية.
ويقابل الموقف الطبيعي موقف آخر هو موقف الفيلسوف ونظرته للعالم وإن كان الفيلسوف لا يمتلك أدوات العالم ولا معداته التي ينظر من خلالها إلى الكون، فإنه يمتلك المنهج (دقة التفكير)، وهو قدرة الفيلسوف على اتباع قواعد الاستدلال دون خطأ.
إن الانطلاق لدى العالم هو الموقف الطبيعي ونظرة الإنسان العادي للعالم إلا أنه سرعان ما يتجاوز هذه النظرة الطبيعية بقدر ما تمكِّنه الأدوات والقوانين العلمية، أما الفيلسوف فإنه يظل حتى نهاية فلسفته ناظرًا في تلك الموضوعات، ومع ذلك فإنه يرد في معظم الأوقات أن نتصوَّر هذه الأشياء بصورة مخالفة لصورتها في موقفنا الطبيعي، وذلك بقوة قواعد الاستدلال والتفكير وحدها.
حينما يناقش الفلاسفة فكرة إدراك الأشياء، على سبيل المثال، فإنهم ينظرون إلى موضوعات إدراكنا المعتادة ولا يخرجون عنها، وغاية الأمر أن يقدم الواحد منهم على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم تحليلًا لهذه الموضوعات يستخدم فيه طرقه المنطقية، ويُخضع من خلاله الموقف الطبيعي للبرهان أو التفنيد والمناقشة، فهو ينظر إلى المألوفات نظرة غير النظرة المألوفة يبحث من خلالها عن كنه الأشياء وعللها.
الفكرة من كتاب نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
تشكِّل دراسة الفلسفة بوجه عام ودراسة نظرية المعرفة كأحد فروع الفلسفة أمرًا غاية في الأهمية، فلن نكون مبالغين إذا قلنا إنَّ نظرية المعرفة هي أهم فروع الفلسفة على الإطلاق قديمًا وحديثًا، فبها تتكوَّن تصوُّرات الإنسان عن الكون والحياة والوجود، ويراد بها الفرع الذي يبحث في طبيعة المعرفة ومصادرها وإمكاناتها.
وفي هذا الكتاب يستعرض المؤلف هذه النظرية علميًّا وفلسفيًّا وموقف الإنسان الطبيعي العادي من ذلك.
مؤلف كتاب نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
فؤاد حسن زكريا: أستاذ مصري متخصص في الفلسفة، حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1996م، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، عام 1999م، وولد سنة 1927، وتوفي سنة 2010.
له مؤلفات وترجمات كثيرة، منها: “دراسة لجمهورية أفلاطون”، و”نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة”، وترجمة كتاب “الجمهورية” لأفلاطون، وترجمة كتاب “نشأة الفلسفة العلمية” لرايشينباخ.