الفلبين وصناعة الأزمة
الفلبين وصناعة الأزمة
تعد الفلبين نموذجًا صارخًا على تأثير السياسات النيوليبرالية (الرأسمالية الجديدة) في خلخلة الاقتصاد القومي وإعادة هيكلته، ممَّا حول البلاد من مصدِّر صافٍ للأرز إلى مستورد صافٍ له! وكانت السياسة المتبعة هي تحويل إغراء المزارعين ودفعهم إلى تحويل إنتاجهم من السوق المحلية إلى نظيرها العالمية، ولكن الأمر مختلف بعض الشيء بالنسبة إلى الأرز بسبب قلة أهميته في التجارة العالمية مقارنةً بغيره من المحاصيل، لذا كانت السياسة المتبعة في الفلبين هي تحويل ناتج البلاد من الأرز إلى إنتاج الوقود الحيوي، مما تسبَّب في اتساع الفجوة الغذائية التي أرغمت البلاد على اللجوء إلى السوق العالمية لاستيراد الأرز لسد احتياجاتها، ومع المضاربات التي اجتاحت بورصات السلع تضاعفت أسعار الأرز ثلاث مرات، مما تسبَّب في موجة تضخُّمية ألهبت الأسعار.
وبدأت رقصة الموت حينما اتخذت الفلبين عدة سياسات كانت إيذانًا بدخول البلاد حقل التجارب لسياسات إعادة الهيكلة التي تبنَّتها الرأسمالية المعاصرة من قِبل مفترس الدول البنك الدولي بدعوى الإصلاح الاقتصادي الشامل، فإلغاء الدعم عن الفلاحين جعلهم يسقطون في براثن الديون، كما أن تخفيض الجمارك وفتح الأسواق المحلية على مصراعيها أمام الدول الأخرى جعل البلاد تغرق أمام طوفان المنتجات المستوردة التي دفعت بالقطاع الخاص المحلي خارج حلبة المنافسة، ومع اشتداد وطأة الأزمة تفكَّك القطاع الصناعي في البلاد، ما زاد من اعتماد البلاد على السوق الخارجي لسد احتياجاته فزاد العجز أكثر وأكثر.
لم يكن القطاع الزراعي بمعزل عن كل تلك الإجراءات، فبعدما انضمَّت الفلبين إلى منظَّمة التجارة العالمية اضطرت إلى تطبيق سياسات اقتصادية كانت أشبه بإعصار اجتاح القطاع الزراعي بأكمله وبخاصةٍ صغار المزارعين، وتم تحويل البلاد من نمط الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي إلى نمط الإنتاج بهدف التصدير فتقلَّصت مساحات بعض المحاصيل الزراعية بالبلاد، بينما تم القضاء على البعض الآخر تمامًا فزادت في إثر ذلك معدلات الاستيراد لبعض الأصناف عشرة أضعاف! ونظرًا إلى الترابط المباشر بين بعض الصناعات وبين القطاع الزراعي أدَّى انهيار الزراعة إلى خلخلة صناعات كالخضراوات والفواكه المجَّففة، فضلًا عن القضاء على بعض الصناعات كالدواجن.
الفكرة من كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
يعاني اليوم أكثر من مليار ومئة مليون نسمة الجوعَ وسوء التغذية، إلا أن ذلك يحدث في وقت يُنتج فيه العالم من الغذاء ما يكفي لإطعام سكان الكوكب كافة، فما المشكلة إذًا؟!
يناقش هذا الكتاب قضية الأمن الغذائي وأبعادها المتعلقة بتكنولوجيا الزراعة الحديثة، بالإضافة إلى الأطراف الفاعلة في صناعة الجوع القائمة على أشدها، كما يتطرق إلى نضال الدول والشعوب في الحصول على حقها في الغذاء وصراعها مع أطماع مافيا الغذاء وسياسات المؤسسات الدولية الكبرى، التي تتعمد وأد كل محاولة من شأنها أن تمنح الدول النامية حقها في الاستقلال الغذائي حتى لا تخرج بذلك عن فلك التبعية.
مؤلف كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
والدن بيللو Walden Bello: ولد في 11 نوفمبر 1945 في الفلبين، حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل أستاذًا في مجاله بجامعة الفلبين، كما أنه مؤسس معهد دراسات جنوب العالم وعضو اللجنة الدولية للمنتدى الاجتماعي العالمي، واختارته الجمعية الدولية للدراسات أبرز علماء الاجتماع في العالم 2008م.
له العديد من الكتب والدراسات والأبحاث والتحليلات السياسية عن أزمات النظام الرأسمالي العالمي، وأزمة الغذاء، والأزمة المالية، ورؤية نقدية لمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين، وعن الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق.